وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ﴾
لما ذكر ما للمتقين ذكر ما للطاغين.
قال الزجاج :"هَذَا" خبر ابتداء محذوف أي الأمر هذا فيوقف على "هذا" قال ابن الأنباري :"هذا" وقف حسن ثم تبتدىء "وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ" وهم الذين كذبوا الرسل.
﴿ لَشَرَّ مَآبٍ ﴾ أي منقلب يصيرون إليه.
ثم بيّن ذلك بقوله :﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المهاد ﴾ أي بئس ما مهدوا لأنفسهم، أو بئس الفراش لهم.
ومنه مهد الصبي.
وقيل : فيه حذف أي بئس موضع المهاد.
وقيل : أي هذا الذي وصفت لهؤلاء المتقين، ثم قال : وإن للطاغين لشر مرجع فيوقف على "هذا" أيضاً.
قوله تعالى :﴿ هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ﴾ "هَذَا" في موضع رفع بالابتداء وخبره "حَمِيمٌ" على التقديم والتأخير ؛ أي هذا حميم وغساق فليذوقوه.
ولا يوقف على "فلْيَذُوقُوهُ" ويجوز أن يكون "هَذَا" في موضع رفع بالابتداء و"فَلْيَذُوقُوهُ" في موضع الخبر، ودخلت الفاء للتنبيه الذي في "هَذَا" فيوقف على "فَلْيَذُوقُوهُ" ويرتفع "حَمِيمٌ" على تقدير هذا حميم.
قال النحاس : ويجوز أن يكون المعنى الأمر هذا، وحميم وغساق إذا لم تجعلهما خبرا فرفعهما على معنى هو حميم وغسّاق.
والفرّاء يرفعهما بمعنى منه حميم ومنه غسّاق وأنشد :
حتّى إذا ما أَضَاءَ الصُّبْحُ في غلَسٍ...
وغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ ومَحْصُودُ
وقال آخر :
لها مَتَاعٌ وأَعْوانٌ غَدَوْنَ بِهِ...
قِتْبٌ وغَرْب إذا ما أُفْرغَ انْسَحَقَا
ويجوز أن يكون "هذَا" في موضع نصب بإضمار فعل يفسره "فَلْيَذُوقُوهُ" كما تقول زيداً اضربه.
والنصب في هذا أولى فيوقف على "فَلْيَذُوقُوهُ" وتبتدىء "حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ" على تقدير الأمر حميم وغسّاق.
وقراءة أهل المدينة وأهل البصرة وبعض الكوفيين بتخفيف السين في "وغَسَّاق".


الصفحة التالية
Icon