وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي "وغسَّاق" بالتشديد، وهما لغتان بمعنى واحد في قول الأخفش.
وقيل : معناهما مختلف ؛ فمن خفّف فهو اسم مثل عذاب وجوَاب وصوَاب، ومن شدّد قال : هو اسم فاعل نقل إلى فعّال للمبالغة، نحو ضرّاب وقتّال وهو فعّال من غَسَق يغسِق فهو غسّاق وغاسِق.
قال ابن عباس : هو الزمهرير يخوّفهم ببرده.
وقال مجاهد ومقاتل : هو الثلج البارد الذي قد انتهى برده.
وقال غيرهما.
إنه يحرق ببرده كما يحرق الحميم بحرِّه.
وقال عبد الله بن عمرو : هو قيح غليظ لو وقع منه شيء بالمشرق لأنتن من في المغرب، ولو وقع منه شيء في المغرب لأنتن من في المشرق.
وقال قتادة : هو ما يسيل من فروج الزناة ومن نَتْن لحوم الكفرة وجلودهم من الصديد والقيح والنَّتْن.
وقال محمد بن كعب : هو عصارة أهل النار.
وهذا القول أشبه باللغة ؛ يقال : غَسَق الجرح يغسِق غسقا إذا خرج منه ماء أصفر ؛ قال الشاعر :
إذا ما تَذَكَّرْتُ الحياةَ وطِيبهَا...
إليّ جَرَى دَمْعٌ من اللّيلِ غاسِقُ
أي بارد.
ويقال : ليل غاسق ؛ لأنه أبرد من النهار.
وقال السدّي : الغسّاق الذي يسيل من أعينهم ودموعهم يسقونه مع الحميم.
وقال ابن زيد : الحميم دموع أعينهم، يجمع في حياض النار فيسقونه، والصديد الذي يخرج من جلودهم.
والاختيار على هذا "وغَسّاق" حتى يكون مثل سيّال.
وقال كعب : الغسّاق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذي حُمَةٍ من عقرب وحيَّة.
وقيل : هو مأخوذ من الظلمة والسواد.
والغسق أوّل ظلمة الليل، وقد غَسقَ الليلُ يغسِق إذا أظلم.
وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبيّ ﷺ قال :" لو أن دَلْواً من غساق يُهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا ".
قلت : وهذا أشبه على الاشتقاق الأوّل كما بينا، إلا أنه يحتمل أن يكون الغساق مع سيلانه أسود مظلماً فيصح الاشتقاقان.
والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon