احتج أصحابنا بهذه الآية في مسألة أن الكل بقضاء الله من وجوه الأول : أنه تعالى قال في حق إبليس :﴿فاخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إلى يَوْمِ الدين﴾ فهذا إخبار من الله تعالى بأنه لا يؤمن، فلو آمن لانقلب خبر الله الصدق كذباً وهو محال، فكان صدور الإيمان منه محالاً مع أنه أمر به والثاني : أنه قال :﴿فَبِعِزَّتِكَ لأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ فالله تعالى علم منه أنه يغويهم، وسمع منه هذه الدعوى، وكان قادراً على منعه عن ذلك، والقادر على المنع إذا لم يمنع كان راضياً به، فإن قالوا : لعل ذلك المنع مفسد، قلنا : هذا قول فاسد، لأن ذلك المنع يخلص إبليس عن الإضلال، ويخلص بني آدم عن الضلال، وهذا عين المصلحة الثالث : أنه تعالى أخبر أنه يملأ جهنم من الكفرة، فلو لم يكفروا لزم الكذب والجهل في حق الله تعالى الرابع : أنه لو أراد أن لا يكفر الكافر لوجب أن يبقى الأنبياء والصالحين، وأن يميت إبليس والشياطين، وحيث قلب الأمر علمنا أنه فاسد الخامس : أن تكليف أولئك الكفار بالإيمان، يقتضي تكليفهم بالإيمان بهذه الآيات التي هي دالة على أنهم لا يؤمنون ألبتة، وحينئذ يلزم أن يصيروا مكلفين بأن يؤمنوا بأنهم لا يؤمنون ألبتة، وذلك تكليف بما لا يطاق، والله أعلم.
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦)
اعلم أن الله تعالى ختم هذه السورة بهذه الخاتمة الشريفة، وذلك لأنه تعالى ذكر طرقاً كثيرة دالة على وجوب الاحتياط في طلب الدين، ثم قال عند الختم : هذا الذي أدعو الناس إليه يجب أن ينظر في حال الداعي، وفي حال الدعوة ليظهر أنه حق أو باطل.
أما الداعي وهو أنا.