واعلم أن أشراف قريش إنما نازعوا محمداً ﷺ بسبب الحسد والكبر فختم الله تعالى السورة بذكر قصة آدم وما وقع فيه إبليس من الرجم واللعن حين حسد آدم واستكبر ليصير سماع القصة زاجراً للمكلفين عن هاتين الخصلتين، فعلى هذا يكون ﴿ إذ قال ﴾ معمولاً لمحذوف اي اذكر وقت قول ربك للملائكة. وقيل : النبأ العظيم قصص آدم والإنباء به من غير سماع من أحد. وعلى هذا فالضمير عائد إلى ما ذكره عما قريب. والمعنى ما أحكيه خبر له شأن لأنه مستفاد من الوحي. وقوله ﴿ إذ قال ﴾ بدل من ﴿ إذ يختصمون ﴾ والملأ الأعلى اصحاب القصة الملائكة وآدم وإبليس لأنهم كانوا في السماء وكان التقاول بينهم حين قالوا ﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] كأنهم قالوا : هؤلاء فيما بينهم. ثم خاطبوا بها الله سبحانه فلا يلزم أن يكون الله تعالى من الملأ الأعلى ويثبت له مكان. أو نقول : المراد علو الرتبة والشرف فيشمل تقاول الله وملائكته. وقال جار الله : كانت مقاولة الله سبحانه بواسطة ملك فكان المقاول في الحقيقة هو الملك المتوسط. وقصة آدم مذكورة في " البقرة " وفي غيرها مشروحة. والتي في هذه السورة يوافق أكثرها ما في الحجر فلا فائدة في إعادتها فلنذكر ما يختص بالمقام قوله ﴿ خلقت بيديّ ﴾ كلام المجسمة فيه ظاهر وغيرهم حملوه على وجوه منها : أن اليد عبارة عن القدرة يقال ما لي بهذا الأمر يد أي قوّة وطاقة. ومنها أنها النعمة. ومنها أنها للتأكيد وليدل على عدم الواسطة كما مر في قوله ﴿ مما عملت أيدينا ﴾ [ يس : ٧١ ] وقد يقال في حق من جنى بلسانه وإن لم يكن له هذا مما كسبت يداك. والحق فيه أن السلطان العظيم لا يقدر على عمل شيء بيديه إلا إذا كانت عنايته مصروفة إلى ذلك العمل، فحيث كانت العناية الشديدة من لوازم العمل باليد أمكن جعله مجازاً عنها. ومنها قول أرباب التأويل إنه إشارة إلى صفتي اللطف والقهر وهما يشملان جميع الصفات


الصفحة التالية
Icon