﴿ قُلْ هُوَ ﴾ أي : الذي أنذرتكم به من التوحيد، ومن البعثة به :﴿ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴾.
﴿ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ﴾ أي : لتمادي غفلتكم، فإن العاقل لا يعرض عن مثله، كيف، وقد قامت عليه الحجج الواضحة ؟ أما على التوحيد، فما مرّ من آثار قدرته وصنعه البديع. أما على بعثته ﷺ به، به فقوله :
﴿ مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ أي : فإن إخباره عن محاورة الملائكة، وما جرى بينهم، على ما ورد في الكتب المتقدمة، من غير سماع ومطالعة كتاب، لا يتصور إلا بالوحي.
قال القاشاني : وفرق بين اختصام الملأ الأعلى، واختصام أهل النار بقوله في تخاصم أهل النار :﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ ﴾ وفي اختصام الملأ الأعلى :﴿ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ لأن ذلك حقيقي لا ينتهي إلى الوفاق أبداً، وهذا عارضيّ نشأ من عدم اطلاعهم على كمال آدم عليه السلام، الذي هو فوق كمالاتهم، وانتهى إلى الوفاق عند قولهم :﴿ سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ﴾ [ البقرة : ٣٢ ]، وقوله تعالى :﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [ البقرة ٣٣ ]، على ما ذكر في البقرة عند تأويل هذه القصة. انتهى.
وبالجملة، فالاختصام المذكور في الآية، هو المشار إليه في قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [ البقرة : ٣٠ ]، قال الرازي : وهو أحسن ما قيل فيه.


الصفحة التالية
Icon