ثم قال : ولو قيل : كيف جازت مخاصمة الملائكة معه تعالى ؟ قلنا : لا شك أنه جرى هناك سؤال وجواب، وذلك يشابه المخاصمة والمناظرة، والمشابهة علة لجواز المجاز، فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ المخاصمة عليه. انتهى.
وملخصه : أن :﴿ يَخْتَصِمُونَ ﴾ استعارة تبعية لـ : يتقاولون. وقيل : معنى الآية، نفي علم الغيب عنه صلّى الله عليه وسلم، ورد اقتراحهم عليه أن يخبرهم بما يحدث في الملأ الأعلى من التخاصم، كقوله تعالى :﴿ قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾ [ الأنعام ٥٠ ]، وقوله تعالى :﴿ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [ الملك : ٢٦ ]، ولذا قال بعد :
﴿ إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ وقرئ :﴿ إِنَّما ﴾ بالكسر على الحكاية.
تنبيهات :
الأول - قال الرازي : واعلم أن قوله :﴿ أنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ﴾ ترغيب في النظر والاستدلال، ومنع من التقليد ؛ لأن هذه المطالب مطالب شريفة عالية، فإن بتقدير أن يكون الْإِنْسَاْن فيها على الحق، يفوز بأعظم أبواب السعادة، وبتقدير أن يكون الْإِنْسَاْن فيها على الباطل، وقع في أعظم أبواب الشقاوة. فكانت هذه المباحث أنباء عظيمة ومطالب عالية بهية، وصريح العقل يوجب على الْإِنْسَاْن أن يأتي فيها بالاحتياط التام، وأن لا يكتفي بالمساهلة والمسامحة.
الثاني - قدمنا أن أكثر المفسرين على تأويل الاختصام بالتقاول في شأن آدم عليه السلام مع الملائكة. وقيل : مخاصمتهم مناظرتهم بينهم في استنباط العلم، كما تجري المناظرة بين أهل العلم في الأرض. حكاه الكرماني في " عجائبه ".


الصفحة التالية
Icon