فهل كان إبليس من الملائكة؟ الظاهر أنه لا. لأنه لو كان من الملائكة ما عصى. فالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.. وسيجيء أنه خلق من نار. والمأثور أن الملائكة خلق من نور.. ولكنه كان مع الملائكة وكان مأموراً بالسجود. ولم يخص بالذكر الصريح عنه الأمر إهمالاً لشأنه بسبب ما كان من عصيانه. إنما عرفنا أن الأمر كان قد وجه إليه من توجيه التوبيخ إليه :
﴿ قال : يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي؟ أستكبرت؟ أم كنت من العالين؟ ﴾..
ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي؟ والله خالق كل شيء. فلا بد أن تكون هناك خصوصية في خلق هذا الإنسان تستحق هذا التنويه. هي خصوصية العناية الربانية بهذا الكائن وإيداعه نفخة من روح الله دلالة على هذه العناية.
أستكبرت؟ عن أمري ﴿ أم كنت من العالين؟ ﴾ الذين لا يخضعون؟
﴿ قال : أنا خير منه. خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾ !
إنه الحسد ينضح من هذا الرد. والغفلة أو الإغفال للعنصر الكريم الزائد على الطين في آدم، والذي يستحق هذا التكريم. وهو الرد القبيح الذي يصدر عن الطبيعة التي تجردت من الخير كله في هذا الموقف المشهود.
هنا صدر الأمر الإلهي العالي بطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح :
﴿ قال : فاخرج منها فإنك رجيم. وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ﴾..
ولا نملك أن نحدد عائد الضمير في قوله :﴿ منها ﴾ فهل هي الجنة؟ أم هل هي رحمة الله.. هذا وذلك جائز. ولا محل للجدل الكثير. فإنما هو الطرد واللعنة والغضب جزاء التمرد والتجرؤ على أمر الله الكريم.
هنا تحول الحسد إلى حقد. وإلى تصميم على الانتقام في نفس إبليس :
﴿ قال : رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ﴾..
واقتضت مشيئة الله للحكمة المقدرة في علمه أن يجيبه إلى ما طلب، وأن يمنحه الفرصة التي أراد :
﴿ قال : فإنك من المنظرين. إلى يوم الوقت المعلوم ﴾..
وكشف الشيطان عن هدفه الذي ينفق في حقده :
﴿ قال : فبعزتك لأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين ﴾..
وبهذا تحدد منهجه وتحدد طريقه.