إنه يقسم بعزة الله ليغوين جميع الآدميين. لا يستثني إلا من ليس له عليهم سلطان. لا تطوعاً منه ولكن عجزاً عن بلوغ غايته فيهم ! وبهذا يكشف عن الحاجز بينه وبين الناجين من غوايته وكيده ; والعاصم الذي يحول بينهم وبينه. إنه عبادة الله التي تخلصهم لله. هذا هو طوق النجاة. وحبل الحياة !.. وكان هذا وفق إرادة الله وتقديره في الردى والنجاة. فأعلن - سبحانه - إرادته. وحدد المنهج والطريق:
(قال: فالحق. والحق أقول. لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين)..
والله يقول الحق دائماً. والقرآن يقرر هذا ويؤكد الإشارة إليه في هذه السورة في شتى صوره ومناسباته. فالخصم الذين تسوروا المحراب على داود يقولون له: (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط).. والله ينادي عبدهداود: (فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى).. ثم يعقب على هذا بالإشارة إلى الحق الكامن في خلق السماوات والأرض: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً. ذلك ظن الذين كفروا).. ثم يجيء ذكر الحق على لسان القوي العزيز:(قال فالحق والحق أقول).. فهو الحق الذي تتعدد مواضعه وصوره، وتتحد طبيعته وكنهه. ومنه هذا الوعد الصادق:
(لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين)..
وهي المعركة إذن بين الشيطان وأبناء آدم، يخوضونها على علم. والعاقبة مكشوفة لهم في وعد الله الصادق الواضح المبين. وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم بعد هذا البيان. وقد شاءت رحمة الله ألا يدعهم جاهلين ولا غافلين. فأرسل إليهم المنذرين.
الدرس الثالث: ٨٦ - ٨٨ تجرد الرسول وعدم تكلفه وتبليغه لدعوته
وفي نهاية الشوط وختام السورة يكلف الرسول ( ﷺ ) أن يلقي إليهم بالقول الأخير:
قل: ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين. إن هو إلا ذكر للعالمين. ولتعلمن نبأه بعد حين..