كيف تجدك ؟ قال أرجو اللّه يا رسول اللّه وأخاف ذنوبي، فقال صلّى اللّه عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه تعالى ما يرجو وآمنه مما يخاف - أخرجه الترمذي - فيجب على المؤمن أن يكون دائما بين الخوف من عقاب اللّه بالنظر لتقصيره تجاهه والرجاء لرحمته بالنظر لواسع فضله، وفي حالة الصحة يرجح الخوف على الرجاء، وفي حالة الشدة يغلب الرجاء على الخوف، ولا ينبغي أن يبالغ في الرجاء فإنه إذا جاوز حده يكون أمنا واللّه تعالى يقول (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) الآية ٩٩ من سورة الأعراف المارة في ج ٣، ولا يبالغ في الخوف فإنه إذا جاوز حده يكون يأسا وقال اللّه تعالى (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) الآية ٨٧ من سورة يوسف المارة، وافتتح اللّه تعالى هذه الآية بالعمل وختمها بالعلم لأن العمل من باب المجاهدات وهو البداية في سلوك طريق اللّه السوي والعلم من باب المكاشفات وهو النهاية لبلوغ المقصد العلي فإذا حصلا للإنسان دل ذلك على كماله وفضله، قال تعالى "قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ" بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فإن "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا" العمل بعد الإيمان والتقوى "فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ" عظيمة في الآخرة لا مثيل لها ولا توصف لأنها من قبل من ليس كمثله شيء "وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ" لا تضيق بكم فإذا رأيتم جورا في قسم منها فاتركوه وانزلوا غيره، وهذه أول آية عرّض اللّه بها إلى رسوله بالهجرة من مكة لأنها ترمز إلى أنه إذا لم يتمكن الإنسان من فعل الإحسان الذي أمره ربه به في وطنه فليهجرها ويهاجر إلى غيرها من بلاد اللّه تعالى مما يمكنه إجراء ما أمر به من العبادة كما فعل الأنبياء والصالحون من قبل إذ تركوا أوطانهم التي أهينوا فيها لأجل اللّه وتوطنوا غيرها، فلا عذر لكم بأن


الصفحة التالية
Icon