لا تحسنوا في أعمالكم وأقوالكم بسبب بقائكم بأرض يمنعكم أهلها من ذلك، واصبروا على مبارحة دياركم ومفارقة تعلقاتكم من أهل ومال وجاه ونشب وعشيرة "إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ" عند اللّه الذين صبروا من أجله "بِغَيْرِ حِسابٍ ١٠" بشيء كثير
لا يعرف حسابه ولا يهتدي إليه حاسب، وذلك لأنهم صبروا على الجلاء طاعة للّه تعالى وطلبا لازدياد فعل الخير ولئلا يفرطوا بأوقاتهم دون أن يقدّموا للّه تعالى بها حسنات، قال علي كرم اللّه وجهه : كل مطيع يكال له كيلا ويوزن له وزنا إلا الصابر فإنه يحثى له حثيا.
وروي أنه يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب عليهم الأجر صبا بغير حساب حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا لو أن أجسادهم تقرض بالمقاريض لما يذهب به أهل البلاء من الفضل.
وهذه الآية عامة مطلقة محكمة ولا تزال كذلك إلى آخر الزمان، وما جاء من الآثار بأنها نزلت في سيدنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين عزموا على الهجرة لأرض الحبشة لا يقيدها ولا يخصصها لما تقدم آنفا في الآية ٨ و١٠، وعلى هذا فإنه يجب على كل من لم يتمكن من القيام بأمر دينه كما ينبغي في بلدة ما أن ينتقل إلى غيرها لإقامة شعائر دين اللّه كما هو مفروض عليه ولا عذر له بالتفريط لأن اللّه تعالى لم يضيق عليه ولم يقسر خلقه على الإقامة في بلد واحد بل وسع عليهم بالنقلة وجعلهم بالخيار، فأي قرية أراد الإقامة فيها لأمر دينه ودنياه أيضا فله ذلك وجاء في الخبر عن سيد البشر أن من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وجبت له الجنة.


الصفحة التالية
Icon