قال تعالى "وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ" يحتاج إليه الناظر في أمور الدنيا والدين "لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ٢٧" ولم يتذكروا لأنهم لم يشغلوا حواسهم فيما خلقت لها فطمس اللّه عليها وحرمهم فوائدها وجعل هذا القرآن "قُرْآناً عَرَبِيًّا" بلغتك ولغة قومك "غَيْرَ ذِي عِوَجٍ" مستقيما بريئا من التناقض والاختلاف وأنزله على خير رجل منهم ومن جنسهم "لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ٢٨" الكفر والتكذيب وقدم التذكر في الآية الأولى على التقوى في هذه الآية لأن الإنسان إذا تذكر وعرف الشيء ووقف على فحواه اتقاه واحترز منه واجتنبه، قال تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) متنازعون بخدمته يتجاذبونه بينهم لسوء أخلاقهم وقلة آدابهم (والشّكس السيء الخلق) "وَرَجُلًا" عبدا مملوكا أيضا "سَلَماً لِرَجُلٍ" خاصا له وحده "هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا" أي لا يستويان في الصفة والحالة، لأن الاستفهام هنا إنكاري لا يجاب إلا بالنفي "الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ٢٩" أن اللّه تعالى وحده هو المستحق للعبادة وهذا مثل ضربه اللّه تعالى للكافر الذي يعبد آلهة متعددة فلا يعلم أيهم يرضى منه وأيهم يسخط والمؤمن الذي يعبد اللّه وحده فهو على بينة من أمره.
وليعلم أن إيراد المثل في
القرآن هو للتذكر والاتعاظ به والمراد بضربه لتطبيق حالة عجيبة بأخرى شبهها وجعلها مثلها، وعليه يكون المعنى أن اللّه تعالى يقول لرسوله اضرب لهم هذا المثل واسألهم أي هذين أحسن وأحمد "إِنَّكَ" يا سيد الرسل "مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ٣٠" نزلت هذه الآية في كفرة قومه صلّى اللّه عليه وسلم الذين كانوا يتربصون موته ليتخلصوا منه قاتلهم اللّه، كيف وهو إنما أرسل رحمة لهم وكان يجهد لنفسه ليخلصهم من عذاب اللّه ؟