واعلم أنه تعالى لما ذكر الاستدلال بخلقة الإنسان على وجود الصانع ذكر عقيبه الاستدلال بوجود الحيوان عليه فقال :﴿وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأنعام ثمانية أزواج﴾ وهي الإبل والبقر والضأن والمعز وقد بينا كيفية دلالة هذه الحيوانات على وجود الصانع في قوله :﴿والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْء﴾ [ النحل : ٥ ] وفي تفسير قوله تعالى :﴿وَأَنزَلَ لَكُمْ﴾ وجوه : الأول : أن قضاء الله وتقديره وحكمه موصوف بالنزول من السماء لأجل أنه كتب في اللوح المحفوظ كل كائن يكون الثاني : أن شيئاً من الحيوان لا يعيش إلا بالنبات والنبات لا يقوم إلا بالماء والتراب، والماء ينزل من السماء فصار التقدير كأنه أنزلها الثالث : أنه تعالى خلقها في الجنة ثم أنزلها إلى الأرض وقوله :﴿ثمانية أزواج﴾ أي ذكر وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز، والزوج اسم لكل واحد معه آخر، فإذا انفرد فهو فرد منه قال تعالى :﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى﴾ [ القيامة : ٣٩ ].
ثم قال تعالى :﴿يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أمهاتكم خَلْقاً مّن بَعْدِ خَلْقٍ﴾ وفيه أبحاث :
الأول : قرأ حمزة بكسر الألف والميم، والكسائي بكسر الهمزة وفتح الميم، والباقون أمهاتكم بضم الألف وفتح الميم.