ولما كان الصبر على هجرة الوطن ولا سيما إن كان ثّم أهل وعشيرة شديداً جداً، ذكر ما للصابر على ذلك لمن تشوف إلى السؤال عنه فقال :﴿إنما يوفى﴾ أي التوفية العظمية ﴿الصابرون﴾ أي على ما تكرهه النفوس في مخالفة الهوى واتباع أوامر الملك الأعلى من الهجرة وغيرها ﴿أجرهم بغير حساب﴾ أي على وجه من الكثرة لا يمكن في العادة حسبانه، وذلك لأن الجزاء من جنس العمل، وكل عمل يمكن عده وحصره إلا الصبر فإنه دائم مع الأنفاس، وهو معنى من المعاني الباطنة لا يطلع خلق على مقداره في قوته وضعفه وشدته ولينه لأنه مع خفائه يتفاوت مقداره، وتتعاظم آثاره، بحسب الهمم في علوها وسفولها، وسموها ونزولها، ويجوز أن يكون المعنى أن من كمل صبره بما أشارت إليه لام الكمال - لم يكن عليه حساب، لما رواه البزار وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله ـ ﷺ ـ فقالت : يا رسول الله، ادع الله لي، قال :" إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك "، قالت : بل أصبر ولا حساب علي. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٦ صـ ٤٢٥ ـ ٤٣٠﴾