فصل


قال الفخر :
﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ ﴾
اعلم أن الله تعالى لما بين فساد القول بالشرك وبين أن الله تعالى هو الذي يجب أن يعبد، بين في هذه الآية أن طريقة هؤلاء الكفار الذين يعبدون الأصنام متناقضة وذلك لأنهم إذا مسهم نوع من أنواع الضر لم يرجعوا في طلب دفعه إلا إلى الله، وإذا زال ذلك الضر عنهم رجعوا إلى عبادة الأصنام ومعلوم أنهم إنما رجعوا إلى الله تعالى عند حصول الضر، لأنه هو القادر على إيصال الخير ودفع الضر، وإذا عرفوا أن الأمر كذلك في بعض الأحوال كان الواجب عليهم أن يعترفوا به في كل الأحوال فثبت أن طريقتهم في هذا الباب متناقضة.
أما قوله تعالى :﴿وَإِذَا مَسَّ الإنسان﴾ فقيل المراد بالإنسان أقوام معينون مثل عتبة بن ربيعة وغيره، وقيل المراد به الكافر الذي تقدم ذكره، لأن الكلام يخرج على معهود، تقدم.
وأما قوله ﴿ضُرٌّ﴾ فيدخل فيه جميع المكاره سواه كان في جسمه أو في ماله أو أهله وولده، لأن اللفظ مطلق فلا معنى للتقييد ﴿ودعاَ رَبَّهُ﴾ أي استجار بربه وناداه ولم يؤمل في كشف الضر سواء، فلذلك قال :﴿مُنِيباً إِلَيْهِ﴾ أي راجعاً إليه وحده في إزالة ذلك الضر لأن الإنابة هي الرجوع ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مّنْهُ﴾ أي أعطاه، قال صاحب "الكشاف" : وفي حقيقته وجهان أحدهما : جعله خائل مال من قولهم هو خائل مال وخال مال، إذا كان متعهداً له حسن القيام به ومنه ما روي عن رسول الله ﷺ :" أنه كان يتخول أصحابه بالموعظة " والثاني : جعله يخول من خال يخول إذا اختال وافتخر، وفي المعنى قالت العرب :


الصفحة التالية
Icon