وأما ما يتعلق بأبواب التكاليف فهو على قسمين : منها ما يكون من أبواب العبادات، ومنها ما يكون من أبواب المعاملات، فأما العبادات فمثل قولنا الصلاة التي يذكر في تحريمها الله أكبر وتكون النية فيها مقارنة للتكبير، ويقرأ فيها سورة الفاتحة، ويؤتى فيها بالطمأنينة في المواقف الخمسة، ويقرأ فيها التشهد، ويخرج منها بقوله السلام عليكم، فلا شك أنها أحسن من الصلاة التي لا يراعى فيها شيء من هذه الأحوال، وتوجب على العاقل أن يختار هذه الصلاة، وأن يترك ما سواها، وكذلك القول في جميع أبواب العبادات.
وأما المعاملات فكذلك مثل أنه تعالى شرع القصاص والدية والعفو، ولكنه ندب إلى العفو فقال :﴿وأن تعفو أقرب للتقوى﴾ وعن ابن عباس أن المراد منه الرجل يجلس مع القوم ويسمع الحديث فيه محاسن ومساوىء، فيحدث بأحسن ما سمع ويترك ما سواه.
واعلم أنه تعالى حكم على الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه بأن قال :﴿أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب﴾ وفي ذلك دقيقة عجيبة، وهي أن حصول الهداية في العقل والروح أمر حادث، ولا بد له من فاعل وقابل : أما الفاعل فهو الله سبحانه وهو المراد من قوله :﴿أولئك الذين هداهم الله﴾ وأما القابل فإليه الإشارة بقوله :﴿وأولئك هم أولوا الألباب﴾ فإن الإنسان ما لم يكن عاقلاً كامل الفهم امتنع حصول هذه المعارف الحقية في قلبه.


الصفحة التالية
Icon