وقال ابن عطية فى الآيات السابقة :
﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ﴾
﴿ الإنسان ﴾ في هذه الآية يراد به الكافر بدلالة ما وصفه به آخراً من اتخاذ الأنداد لله تعالى، وقوله :﴿ تمتع بكفرك قليلاً ﴾ وهذه آية بين تعالى بها على الكفار أنهم على كل حال يلجؤون في حال الضرورات إليه وإن كان ذلك عن غير يقين منهم ولا إيمان فلذلك ليس بمعتد به. و﴿ منيباً ﴾ معناه مقارباً مراجعاً بصيرته.
وقوله تعالى :﴿ ثم إذا خوله نعمة ﴾ يحتمل أن يريد النعمة في كشف المذكور، ويحتمل أن يريد نعمة أي نعمة كانت، واللفظ يعم الوجهين : و﴿ خوله ﴾ معناه ملكه وحكمه فيها ابتداء لا مجازاة، ولا يقال في الجزاء خول، ومنه الخول، ومنه قول زهير :
هنالك أن يستخولوا المال يخولوا... هذه الرواية الواحدة، ويروى يستخبلوا.
وقوله تعالى :﴿ نسي ما كان يدعو إليه من قبل ﴾ قالت فرقة :﴿ مصدرية ﴾، والمعنى نسي دعاءه إليه في حال الضرر ورجع إلى كفره. وقالت فرقة : بمعنى الذي، والمراد بها الله تعالى، وهذا كنحو قوله :﴿ ولا أنتم عابدون ما أعبد ﴾ [ الكافرون : ٣ - ٥ ] وقد تقع " ما " مكان " من " فيما لا يحصى كثرة من كلامهم، ويحتمل أن تكون ﴿ ما ﴾ نافية، ويكون قوله :﴿ نسي ﴾ كلاماً تاماً، ثم نفى أن يكون دعاء هذا الكافر خالصاً لله ومقصوداً به من قبل النعمة، أي في حال الضرر، ويحتمل أن تكون ﴿ ما ﴾ نافية ويكون قوله :﴿ من قبل ﴾ يريد به : من قبل الضرر، فكأنه يقول : ولم يكن هذا الكافر يدعو في سائر زمنه قبل الضرر، بل ألجأه ضرره إلى الدعاء. والأنداد : الأضداد التي تضاد وتزاحم وتعارض بعضها بعضاً. قال مجاهد : المراد من الرجال يطيعونهم في معصية الله تعالى. وقال غيره : المراد الأوثان.


الصفحة التالية
Icon