ويروى أن هذه الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة. ووعد تعالى بقوله :﴿ للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ﴾ ويحتمل أن يكون قوله :﴿ في هذه الدنيا ﴾، متعلقاً ب ﴿ أحسنوا ﴾، فكأنه يريد أن الذين يحسنون في الدنيا لهم حسنة في الآخرة وهي الجنة والنعيم، قاله مقاتل، ويحتمل أن يريد : أن الذين يحسنون لهم حسنة في الدنيا وهي العاقبة والظهور وولاية الله تعالى، قاله السدي. وكان قياس قوله أن يكون في هذه الدنيا متأخراً ويجوز تقديمه، والأول أرجح أن الحسنة هي في الآخرة. ﴿ وأرض الله ﴾ يريد بها البلاد المجاورة التي تقتضيها القصة التي في الكلام فيها، وهذا حض على الهجرة، ولذلك وصف الله الأرض بالسعة. وقال قوم : أراد ب " الأرض " هنا الجنة، وفي هذا القول تحكم لا دليل عليه.
ثم وعد تعالى على الصبر على المكاره والخروج عن الوطن ونصرة الدين وجميع الطاعات : بأن الأجر يوفى ﴿ بغير حساب ﴾، وهذا يحتمل معنيين، أحدهما : أن الصابر يوفى أجره ثم لا يحاسب عن نعيم ولا يتابع بذنوب، فيقع ﴿ الصابرون ﴾ في هذه الآية على الجماعة التي ذكرها النبي عليه السلام أنها تدخل الجنة دون حساب في قوله :" يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون وجوههم على صورة القمر ليلة البدر " الحديث على اختلاف ترتيباته. والمعنى الثاني : أن أجور الصابرين توفى بغير حصر ولا وعد، بل جزافاً، وهذه استعارة للكثرة التي لا تحصى، ومنه قول الشاعر [ طويس المغني ] :[ الكامل ]
ما تمنعي يقضى فقد تعطينه... في النوم غير مسرد محسوب


الصفحة التالية
Icon