وقال ابن عاشور :
﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى ﴾
لما انتهى تهديد المشركين وموعظة الخلائق أجمعين ثُني عنان الخطاب إلى جانب المؤمنين فيما يختص بهم من البشارة مقابلة لنذارة المشركين.
والجملة معطوفة على جملة ﴿ قُلْ إنَّ الخاسرين الذين خسِرُوا أنفسهم ﴾ [ غافر : ١٥ ] الآية.
والتعبير عن المؤمنين بـ ﴿ الذين اجتنبوا الطاغوت ﴾ لما في الصلة من الإِيماء إلى وجه بناء الخبر وهو ﴿ لهُمُ البشرى ﴾، وهذا مقابل قوله :﴿ ذلك يُخوفُ الله به عِباده ﴾ [ الزمر : ١٦ ].
والطاغوت : مصدر أو اسم مصدر طَغا على وزن فَعَلُوت بتحريك العين بوزن رَحموتٍ وملوكت.
وفي أصله لغتان الواو والياء لقولهم : طغا طُغُوًّا مثل علوّ، وقولهم : طغوان وطغيان.
وظاهر "القاموس" أنه واوي، وإذ كانت لامه حرف علة ووقعت بعدها واوُ زِنةِ فَعلوت استثقلت الضمة عليها فقدموها على العين ليتأتّى قلبها ألفاً حيث تحركت وانفتح ما قبلها فصار طاغوت بوزن فَلَعُوت بتحريك اللام وتاؤُه زائدة للمبالغة في المصدر.
ومن العلماء من جعل الطاغوت اسماً أعجمياً على وزن فَاعول مثل جالوت وطالوت وهارون، وذكره في "الإِتقان" فيما وقع في القرآن من المعرّب وقال : إنه الكاهن بالحبشية.
واستدركه ابن حجر فيما زاده على أبيات ابن السبكي في الألفاظ المعرَّبة الواقعة في القرآن، وقد تقدم ذكره بأخصر مما هنا عند قوله تعالى :﴿ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ﴾ في سورة [ النساء : ٥١ ].
وأُطلق الطاغوت في القرآن والسنة على القوي في الكفر أوْ الظلم، فأطلق على الصّنم، وعلى جماعة الأصنام، وعلى رئيس أهل الكفر مثل كعب بن الأشرف.


الصفحة التالية
Icon