وقد أفاد تعريف الجزأين في قوله :﴿ أُولئكَ الذينَ هداهُم الله ﴾ قصر الهداية عليهم وهو قصر صفة على موصوف وهو قصر إضافي قصر تعيين، أي دون الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم.
ومعنى ﴿ هدَاهُمُ الله ﴾ أنهم نالوا هذه الفضيلة بأن خلق الله نفوسهم قابلة للهدى الذي يخاطبهم به الرسول ﷺ فتهيأت نفوسهم لذلك وأقبلوا على سماع الهدى بشَرَاشِرهم وسعوا إلى ما يبلغهم إلى رضاه وطلبوا النجاة من غضبه.
وليس المراد بهدي الله إياهم أنه وجه إليهم أوامر إرشاده لأن ذلك حاصل للذين خوطبوا بالقرآن فأعرضوا عنه ولم يتطلبوا البحث عما يرضي الله تعالى فأصروا على الكفر.
وأشارت جملة ﴿ وأُولئِكَ هُم أُولوا الألبَابِ ﴾ إلى معنى تهيئهم للاهتداء بما فطرهم الله عليه من عقول كاملة، وأصل الخِلقة ميَّالة لفهم الحقائق غير مكترثة بالمألوف ولا مُرَاعاة الباطل، على تفاوت تلك العقول في مدى سرعة البلوغ للاهتداء، فمنهم من آمن عند أول دعاء النبي ﷺ مثل خديجة وأبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، ومنهم من آمن بُعيد ذلك أو بَعده، فأشير إلى رسوخ هذه الأحوال في عقولهم بذكر ضمير الفصل مع كلمة ﴿ أُولُوا ﴾ الدالة على أن الموصوف بها ممسك بما أضيفت إليه كملة ﴿ أُوْلُوا ﴾، وبما دل عليه تعريف ﴿ الألبابِ ﴾ من معنى الكمال، فليس التعريف فيه تعريف الجنس لأن جنس الألباب ثابت لجميع العقلاء.
وأشار إعادة اسم الإِشارة إلى تميزهم بهذه الخصلة من بين نظرائهم وأهل عصرهم.
وفيه تنبيه على أن حصول الهداية لا بدّ له من فاعل وقابل، فأشير إلى الفاعل بقوله تعالى :﴿ هداهم الله ﴾، وإلى القابل بقوله :﴿ هُم أُولوا الألبابِ ﴾.
وفي هذه الجملة من القصر ما في قوله :﴿ أُولئِكَ الذينَ هداهُمُ الله ﴾.


الصفحة التالية
Icon