وافتتح الإِخبار عنهم بحرف الاستدراك لزيادة تقرير الفارق بين حال المؤمنين وحال المشركين والمضادة بينهما، فحرف الاستدراك هنا لمجرد الإِشعار بتضادّ الحالين ليعلم السامع أنه سيتلقى حكماً مخالفاً لما سبق كمَا تقدم في قوله تعالى :﴿ ولكن انظر إلى الجبل ﴾ في سورة [ الأعراف : ١٤٣ ]، وقوله :﴿ ولكن كره اللَّه انبعاثهم ﴾ في سورة [ براءة : ٤٦ ]، فحصل في قضية الذين اجتنبوا عبادة الطاغوت تقرير على تقرير ابتدىء بالإِشارتين في قوله :﴿ أُولئِكَ الذينَ هداهُمُ الله وأُولئِكَ هم أُولوا الألبابِ ﴾ [ الزمر : ١٨ ] ثم بما أعقب من تفريع حال أضدادهم على ذكر أحوالهم ثم بالاستدراك الفارق بين حالهم وحال أضدادهم.
والمراد بالذين اتقوا ربهم : هم الذين اجتنبوا عبادة الطاغوت وأنابوا إلى الله واتبعوا أحسن القول واهتدوا بهدي الله وكانوا أولي ألباب، فعدل عن الإِتيان بضميرهم هنا إلى الموصول لقصد مدحهم بمدلول الصلة وللإِيماء إلى أن الصلة سبب للحكم المحكوم به على الموصول وهو نوالهم الغرف.
وعدل عن اسم الجلالة إلى وصف الرب المضاف إلى ضمير المتقين لما في تلك الإِضافة من تشريفهم برضى ربهم عنهم.
واللام في ﴿ لَهُمْ ﴾ للاختصاص.
والمعنى : أَنها لهم في الجنة، أي أعدت لهم في الجنة.
والغُرف : جمع غُرفة بضم الغين وسكون الراء، وهي البيت المرتكز على بيت آخر، ويقال لها العُلِّيّة ( بضم العين وكسرها وبكسر اللام مشدّدة والتحتية كذلك ) وتقدمت الغرفة في آخر سورة الفرقان ( ٧٥.
( ومعنى ﴿ من فَوْقِهَا غُرَفٌ ﴾ أنها موصوفة باعتلاء غرف عليها وكل ذلك داخل في حيّز لام الاختصاص، فالغرف التي فوق الغرف هي لهم أيضاً لأن ما فوق البناء تابع له وهو المسمّى بالهواء في اصطلاح الفقهاء.
فالمعنى : لهم أطباق من الغُرف، وذلك مقابل ما جعل لأهل النار في قوله :﴿ لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ﴾ [ الزمر : ١٦ ].


الصفحة التالية
Icon