فأما سماع الإدراك: ففي قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن قولهم: ٧٢ : ١ ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِه﴾ وقولهم: ٤٦ : ٣٠ ﴿يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ الآية فهذا سماع إدراك اتصل به الإيمان والإجابة وأما سماع الفهم: فهو المنفي عن أهل الإعراض والغفلة بقوله تعالى: ٣٠ : ٥٢ ﴿ فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾ وقوله: ٣٥ : ٢٢ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾.
فالتخصيص ههنا لإسماع الفهم والعقل وإلا فالسمع العام الذي قامت به الحجة: لا تخصيص فيه ومنه قوله تعالى: ٨ : ٢٣ ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ أى لو علم الله في هؤلاء الكفار قبولا وانقيادا
لأفهمهم وإلا فهم قد سمعوا سمع الإدراك ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ أي ولو أفهمهم لما انقادوا ولا انتفعوا بما فهموا لأن في قلبهم من داعي التولي والإعراض ما يمنعهم عن الانتفاع بما سمعوه.
وأما سماع القبول والإجابة: ففي قوله تعالى حكاية عن عباده المؤمنين: أنهم قالوا: ٢٤ : ٥١ ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ فإن هذا سماع قبول وإجابة مثمر للطاعة.
والتحقيق: أنه متضمن للأنواع الثلاثة وأنهم أخبروا بأنهم أدركوا المسوع وفهموه واستجابوا له.
ومن سمع القبول: ٩ : ٤٧ ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ أى قابلون منهم مستجيبون لهم هذا أصح القولين في الآية.
وأما قول من قال: عيون لهم وجواسيس فضعيف فإنه سبحانه أخبر عن حكمته في تثبيطهم عن الخروج: بأن خروجهم يوجب الخبال والفساد والسعي بين العسكر بالفتنة وفي العسكر من يقبل منهم ويستجيب لهم فكان في إقعادهم عنهم لطفا بهم ورحمة حتى لا يقعوا في عنت القبول منهم.


الصفحة التالية
Icon