فصل : القسم الثاني من السماع.


ما يبغضه الله ويكرهه ويمدح المعرض عنه وهو سماع كل ما يضر العبد في قلبه ودينه كسماع الباطل كله إلا إذا تضمن رده وإبطاله والاعتبار به وقصد أن يعلم به حسن ضده فإن الضد يظهر حسنه الضد كما قيل:
وإذا سمعت إلى حديثك زادني... حبا له: سمعي حديث سواكا
وكسماع اللغو الذي مدح التاركين لسماعه والمعرضين عنه بقوله: ٢٨ : ٥٥ ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ وقوله: ٢٥ : ٧٢ ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً﴾ قال محمد بن الحنفية: "هو الغناء وقال الحسن أو غيره: أكرموا نفوسهم عن سماعه".
قال ابن مسعود: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" وهذا كلام عارف بأثر الغناء وثمرته فإنه ما اعتاده أحد إلا نافق قلبه وهو لا يشعر ولو عرف حقيقة النفاق وغايته لأبصره في قلبه فإنه ما اجتمع في قلب عبد قط محبة الغناء ومحبة القرآن إلا طردت إحداهما الأخرى وقد شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء وسماعه وتبرمهم به وصياحهم بالقارىء إذا طول عليهم وعدم انتفاع قلوبهم بما يقرأه فلا تتحرك ولا تطرب ولا تهيج منها بواعث الطلب فإذا جاء قرآن الشيطان فلا إله إلا الله كيف تخشع منهم الأصوات وتهدأ الحركات وتسكن القلوب وتطمئن ويقع البكاء والوجد والحركة الظاهرة والباطنة والسماحة بالأثمان والثياب وطيب السهر وتمني طول الليل فإن لم يكن هذا نفاقا فهو آخية النفاق وأساسه.
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة لكنه إطراق ساه لاهي
وأتى الغناء فكالذباب تراقصوا والله ما رقصوا من أجل الله
دف ومزمار ونغمة شاهد فمتى شهدت عبادة بملاهي
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بأوامر ونواهي
وعليهم خف الغنا لما رأوا إطلاقه في اللهو دون مناهي
يا فرقة ما ضر دين محمد وجنى عليه ومله إلا هي
سمعوا له رعدا وبرقا إذ حوى زجرا وتخويفا بفعل مناهي


الصفحة التالية
Icon