ومن أعجب العجائب: استدلال من استدل على أن هذا السماع من طريق لقوم وأنه مباح: بكونه مستلذا طبعا تلذه النفوس وتستروح إليه وأن الطفل يسكن إلى الصوت الطيب والجمل يقاسي تعب السير ومشقة الحمولة فيهون عليه بالحداء وبأن الصوت الطيب نعمة من الله على صاحبه وزيادة في خلقه وبأن الله ذم الصوت الفظيع فقال: ٣١ : ١٩ ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ وبأن الله وصف نعيم أهل الجنة فقال فيه: ٣٠ : ١٥ ﴿فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ وأن ذلك هو السماع الطيب فكيف يكون حراما وهو في الجنة وبأن الله تعالى ما أذن لشيء كأذنه أي كاستماعه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن وبأن أبا موسى الأشعري استمع النبي ﷺ إلى صوته وأثنى عليه بحسن الصوت وقال: "لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود" فقال له أبو موسى: "لو علمت أنك استمعت لحبرته لك تحبيرا" أي زينته لك وحسنته وبقوله صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم"
وبقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" والصحيح: أنه من التغني بمعنى تحسين الصوت وبذلك فسره الإمام أحمد رحمه الله فقال: "يحسنه بصوته ما استطاع".
وبأن النبي ﷺ أقر عائشة على غناء القينتين يوم العيد وقال لأبي بكر: "دعهما فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا أهل الإسلام".
وبأنه ﷺ أذن في العرس في الغناء وسماه لهوا وقد سمع رسول الله ﷺ الحداء وأذن فيه وكان يسمع أنسا والصحابة وهم يرتجزون بين يديه في حفر الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا... على الجهاد ما بقينا أبدا
ودخل مكة والمرتجز يرتجز بين يديه بشعر عبد الله بن رواحة وحدا به الحادي في منصرفه من خيبر فجعل يقول:
والله لولا الله ما اهتدينا... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا... وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الذين قد بغوا علينا... إذا أرادوا فتنة أبينا


الصفحة التالية
Icon