فهذه لم يزل المسلمون يروونها ويسمعونها ويتدارسونها وهي التي سمعها رسول الله ﷺ وأصحابه وأثاب عليها وحرض حسانا عليها وهي التي غرت أصحاب السماع الشيطاني فقالوا: تلك قصائد وسماعنا قصائد فنعم إذن والسنة كلام والبدعة كلام والتسبيح كلام والغيبة كلام والدعاء كلام والقذف كلام ولكن هل سمع رسول الله وأصحابه سماعكم هذا الشيطاني المشتمل على أكثر من مفسدة مذكورة في غير هذا الموضع وقد أشرنا فيما تقدم إلى بعضها؟.
ونظير هذا: ما غرهم من استحسانه الصوت الحسن بالقرآن وأذنه له وإذنه فيه ومحبة الله له.
فنقلوا هذا الاستحسان إلى صوت النسوان والمردان وغيرهم بالغناء المقرون بالمعازف والشاهد وذكر القد والنهد والخصر ووصف العيون وفعلها والشعر الأسود ومحاسن الشباب وتوريد الخدود وذكر الوصل والصد والتجني
والهجران والعتاب والاستعطاف والاشتياق والقلق والفراق وما جرى هذا المجرى مما هو أفسد للقلب من شرب الخمر بما لا نسبة بينهما وأي نسبة لمفسدة سكر يوم ونحوه إلى سكرة العشق التي لايستفيق الدهر صاحبها إلا في عسكر الهالكين سليبا حريبا وأسيرا قتيلا؟.
وهل تقاس سكرة الشراب بسكرة الأرواح بالسماع وهل يظن بحكيم أن يحرم سكرا لمفسدة فيه معلومة ويبيح سكرا مفسدته أضعاف أضعاف مفسدة الشراب حاشا أحكم الحاكمين.
فإن نازعوا في سكر السماع وتأثيره في العقول والأرواح: خرجوا عن الذوق والحس وظهرت مكابرة القوم فكيف يحمي الطبيب المريض عما يشوش عليه صحته ويبيح له مافيه أعظم السقم والمنصف يعلم أنه لا نسبة بين سقم الأرواح بسكر الشراب وسقمها بسكر السماع وكلامنا مع واجد لا فاقد فهو المقصود بالخطاب.
وأعجب من هذا: استدلالكم على إباحة السماع المركب مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية بغناء بنيتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة صبية في يوم عيد وفرح بأبيات من أبيات العرب في وصف الشجاعة والحروب ومكارم الأخلاق والشيم فأين هذا من هذا؟.


الصفحة التالية
Icon