من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
قوله جلّ ذكره :﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ البُشْرَى ﴾.
طاغوت كلّ إنسانٍ نَفْسُه ؛ وإنما يجتنبُ الطاغوتَ مَنْ خالف هواه، وعانَقَ رضا مولاه.
وعبادةُ النَّفْس بموافقة الهوى -وقليلٌ مَنْ لا يعبد هواه، ويجتنب حديث النَّفْسِ.
﴿ وَأَنَابُواْ إِلَى اللَّهِ ﴾ : أي رجعوا إليه في كل شيء.
قوله جلّ ذكره :﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ ألَّذِينَ هَدَاهُمُ اللّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾.
﴿ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ﴾ يقتضي أن يكون الاستماع لكل شيء، ولكن الاتباع يكون للأحسن. " أحسنه " : وفيه قولان ؛ أحدهما أن يكون بمعنى الحَسَن ولا تكون الهمزة للمبالغة، كما يقال مَلِكٌ أَعِزُّ أي عزيز. والثاني : الأحسن على المبالغة، والحَسَنُ ما كان مأذوناً فيه في صفة الخَلْقُ ويعْلَمُ ذلك بشهادة العلم، والأحسن هو الأَوْلَى والأصوب. ويقال الأحسن ما كان لله دون غيره، ويقال الأحسن هو ذكر الله خالصاً له. ويقال مَنْ عَرَفَ الله لا يسمع إلا بالله.
ويقيال إن للعبد دواعيَ من باطنه هي هواجسُ النفس ووساوسُ الشيطانِ وخوَاطرُ المَلَكِ وخطابُ الحقِّ يُلْقَى في الرَّوْعِ ؛ فوساوسُ الشيطان تدعوا إلى المعاصي، وهواجسُ النفس تدعو إلى ثبوت الأشياء من النَّفْس وأَنَّ لها في شيءٍ نصيباً، وخواطرُ المَلَكِ تدعو إلى الطاعاتِ والقُرَبِ، وخطابُ الحقِّ في حقائق التوحيد.
﴿ أُوْلَئِكَ الِّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وأُوْلَئِك هُمْ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ :-
أولئك الذين هداهم الله لتوحيده، وأولئك الذين عقولهم غير معقولة. (١)

_
(١) (عقولهم غير معقولة) أي غير حبيسة أو ممنوعة عن الإدراك وتصحيح الإيمان، فهذه هي المهمة الأساسية العقل في نظر المصنف - كما نوهنا بذلك. وربما كانت في الأصل (مقفولة) فيها أيضا يستقيم المعنى. [.....]


الصفحة التالية
Icon