الفائدة الثانية : أنه قال :﴿إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله﴾ والعبادة لها ركنان عمل القلب وعمل الجوارح، وعمل القلب أشرف من عمل الجوارح، فقدم ذكر الجزء الأشرف وهو قوله :﴿مُخْلِصاً لَّهُ الدين﴾ ثم ذكر عقيبه الأدون وهو عمل الجوارح وهو الإسلام، فإن النبي ﷺ فسر الإسلام في خبر جبريل عليه السلام بالأعمال الظاهرة، وهو المراد بقوله في هذه الآية :﴿وَأُمِرْتُ لأَن أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين﴾ وليس لقائل أن يقول ما الفائدة في تكرير لفظ ﴿أُمِرْتُ﴾ لأنا نقول ذكر لفظ ﴿أُمِرْتُ﴾ أولاً في عمل القلب وثانياً في عمل الجوارح ولا يكون هذا تكريراً.
الفائدة الثالثة : في قوله :﴿وَأُمِرْتُ لأَن أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين﴾ التنبيه على كونه رسولاً من عند الله واجب الطاعة، لأن أول المسلمين في شرائع الله لا يمكن أن يكون إلا رسول الله، لأن أول من يعرف تلك الشرائع والتكاليف هو الرسول المبلغ، ولما بين الله تعالى أمره بالإخلاص بالقلب وبالأعمال المخصوصة، وكان الأمر يحتمل الوجوب ويحتمل الندب بين أن ذلك الأمر للوجوب فقال :﴿قُلْ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ وفيه فوائد :
الفائدة الأولى : أن الله أمر محمداً ﷺ أن يجري هذا الكلام على نفسه، والمقصود منه المبالغة في زجر الغير عن المعاصي، لأنه مع جلالة قدرة وشرف نبوته إذا وجب أن يكون خائفاً حذراً عن المعاصي فغيره بذلك أولى.
الفائدة الثانية : دلت الآية على أن المرتب على المعصية ليس حصول العقاب بل الخوف من العقاب، وهذا يطابق قولنا : إن الله تعالى قد يعفو عن المذنب والكبيرة، فيكون اللازم عند حصول المعصية هو الخوف من العقاب لا نفس حصول العقاب.