من محذوف الخبر كما في قوله :﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ﴾ [ الزمر : ٩ ] والتقدير : أفمن شرح الله صدره للإسلام فاهتدى كمن طبع على قلبه فلم يهتد لقسوته، والجواب متروك لأن الكلام المذكور دل عليه وهو قوله تعالى :﴿فَوَيْلٌ للقاسية قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ الله ﴾.
المسألة الثالثة :
قوله :﴿فَوَيْلٌ للقاسية قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ الله﴾ فيه سؤال، وهو أن ذكر الله سبب لحصول النور والهداية وزيادة الاطمئنان كما قال :﴿أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب﴾ [ الرعد : ٢٨ ] فكيف جعله في هذه الآية سبباً لحصول قسوة القلب، والجواب أن نقول إن النفس إذا كانت خبيثة الجوهر كدرة العنصر بعيدة عن مناسبة الروحانيات شديدة الميل إلى الطبائع البهيمية والأخلاق الذميمة، فإن سماعها لذكر الله يزيدها قسوة وكدورة، وتقرير هذا الكلام بالأمثلة فإن الفاعل الواحد تختلف أفعاله بحسب اختلاف القوابل كنور الشمس يسود وجه القصار ويبيض ثوبه، وحرارة الشمس تلين الشمع وتعقد الملح، وقد نرى إنساناً واحداً يذكر كلاماً واحداً في مجلس واحد فيستطيبه واحد ويستكرهه غيره، وما ذاك إلا ما ذكرناه من اختلاف جواهر النفوس، ومن اختلاف أحوال تلك النفوس، ولما نزل قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مّن طِينٍ﴾ وكان قد حضر هناك عمر بن الخطاب وإنسان آخر فلما انتهى رسول الله ﷺ إلى قوله تعالى ﴿ثم أنشأناه خلقاً آخر﴾ قال كل واحد منهم


الصفحة التالية
Icon