ولما كان غيره سبحانه لا يمكن له ذلك، حسن التخصيص في قوله :﴿أنت﴾ أي وحدك ﴿تحكم بين عبادك﴾ أي أنا وهم وغيرنا في الدنيا والآخرة لا محيص عن ذلك ولا يصح في الحكمة سواه كما أن كل أحد يحكم بين عبيده ومن تحت أمره لا يسوغ في رأيه غير ذلك ﴿في ما كانوا﴾ أي دائماً بما اقتضته جبلاتهم التي جبلتهم عليها ﴿فيه يختلفون﴾ وأما غيرك فإنه لا يعلم جميع ما يفعلون، فلا يقدر على الحكم بينهم، وأما غير ما هم عريقون في الاختلاف فيه فلا يحكم بينهم فيه لأنه أما ما هيؤوا بفطرهم السليمة وعقولهم القويمة للاتفاق عليه فهو الحق وأما ما يعرض لهم الاختلاف فيه لا على سبيل القصد أو بقصد غير ثابت فهو مما تذهبه الحسنات فعرف أن تقديم الظرف إنما وهو للاختصاص لا الفاصلة.
ولما كان التقدير : فيعذب الظالمين فلو علموا ذلك لما ظنوا بادعائهم له سبحانه ولداً وشركاء يقربونهم إليه زلفى منهم بجلاله ونزاهته عما ادعوه له وكماله، عطف عليه تهويلاً للأمر قوله :﴿ولو أن﴾ وكان الأصل : لهم - ولكنه قال تعميماً وتعليقاً بالوصف :﴿للذين ظلموا﴾ أي وقعوا في الظلم في شيء من الأشياء ولو قال ﴿ما في الأرض﴾ ولما كان الأمر عظيماً أكد ذلك بقوله :﴿جميعاً﴾ وزاد في تعظيمه بقوله :﴿ومثله﴾ وقال :﴿معه﴾ ليفهم بدل الكل جملة لا على سبيل التقطيع ﴿لافتدوا﴾ أي لاجتهدوا في طلب أن يفدوا ﴿به﴾ أنفسهم ﴿من سوء العذاب﴾ وبين الوقت تعظيماً له وزيادة في هوله فقال :﴿يوم القيامة﴾ روى الشيخان عن أنس ـ رضى الله عنه ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال :" يقول الله عز وجل لأهون أهل النار عذاباً : لو أن لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ فيقول : نعم، فيقول : قد أردت منك أهون من هذا وأنت صلب آدم عليه السلام أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي "
قوله : أردت أي فعلت معك بالأمر فعل المريد وهو معنى قوله في رواية : قد سألتك.


الصفحة التالية
Icon