وقال ابن عطية :
﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾
هذه حجة تلزم عباد الأوثان التناقض في أعمالهم، وذلك أنهم يعبدون الأوثان ويعتقدون تعظيمها، فإذا أزفت آزفة ونالت شدة نبذوها ونسوها ودعوا الخالق المخترع رب السماوات والأرض. و: ﴿ الإنسان ﴾ في هذه الآية للجنس. و: ﴿ خولناه ﴾ معناه : ملكناه. قال الزجاج وغيره : التخويل : العطاء عن غير مجازاة. والنعمة هنا : عامة في جميع ما يسديه الله إلى العبد، فمن ذلك إزالة الضر المذكور، ومن ذلك الصحة والأمن والمال، وتقوى الإشارة إليه في الآية بقوله :﴿ إنما أوتيته على علم ﴾ وبقوله آخراً ﴿ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ﴾، وبذكر الكسب، وكذلك الضمير في :﴿ أوتيته ﴾ وذلك يحتمل وجوهاً، منها : أن يريد بالنعمة المال كما قدمناه، ومنها أن يعيد الضمير على المذكور، إذ اسم النعمة يعم ما هو مذكر وما هو مؤنث، ومنها : أن يكون " ما " في قوله :﴿ إنما ﴾ بمعنى الذي، وعلى الوجهين الأولين كافة.
وقوله :﴿ على علم ﴾ في موضع نصب على الحال مع أن تكون " ما " كافة، وأما إذا كانت بمعنى الذي، ف ﴿ على علم ﴾ في موضع خبر " إن " ودال على الخبر المحذوف، كأنه قال : هو على علم، يحتمل أن يريد على علم مني بوجه المكاسب والتجارات وغير ذلك، قاله قتادة. ففي هذا التأويل أعجاب بالنفس وتعاط مفرط ونحو هذا، ويحتمل أن يريد على علم من الله في، وشيء سبق لي، واستحقاق حزته عند الله لا يضرني معه شيء، ففي هذا التأويل اغترار بالله تعالى وعجز وتمن على الله. ثم قال تعالى :﴿ بل هو فتنة ﴾ أي ليس الأمر كما قال، بل هذه الفعلة به فتنة له وابتلاء. ثم أخبر تعالى عمن سلف من الكفرة أنهم قالوا هذه المقالة كقارون وغيره، وأنهم ما أغنى عنهم كسبهم واحتجانهم للأموال، فكذلك لا يغني عن هؤلاء.


الصفحة التالية
Icon