ولما كان السائل النصوح ينبغي له أنه ينبه الخصم على محل النكتة لينتبه من غفلته فيرجع عن غلطته عبر بأداة ما لا يعقل عن معبوداتهم بعد التعبير عنها سابقاً بأداة الذكور العقلاء بياناً لغلطهم، فقال معبراً عن مفعول ﴿رأيت﴾ الأول والثاني جملة الاستفهام، ﴿ما تدعون﴾ أي دعاء عبادة، وقرر بعدهم عن التخويف بهم بادعاء إلهيتهم بقوله :﴿من دون الله﴾ أي الذي هو ذو الجلال والإكرام فلا شيء إلا وهو من دونه وتحت قهره، ولما كانت العافية أكثر من البلوى، أشار إليها بأداة الشك ونبه على مزيد عظمته سبحانه بإعادة الاسم الأعظم فقال :﴿إن أرادني الله﴾ أي الذي لا راد لأمره ولما كان درأ المفاسد مقدماً قال :﴿بضر﴾ أي إن أطعتكم في الجنوح إليها خوفاً منها، وبالغ في تنبيههم نصحاً لهم ليرجعوا عن ظاهر غيهم بما ذكر من دناءتها وسفولها بالتأنيث بعد سفولها بعدم العقل مع دناءتها وبعد التهكم بهم بالتعبير عنها بأداة الذكور العقلاء فقال :﴿هل هن﴾ أي هذه الأوثان التي تعبدونها ﴿كاشفات﴾ أي عني مع اعترافكم بأنه لا خلق لها وأنها مخلوقة لله تعالى ﴿ضره﴾ أي الذي أصابني به نوعاً من الكشف، لأرجوها في وقت شدتي ﴿أو أرادني برحمة﴾ لطاعتي إياه في توحيده، وخلع ما سواه من عبيده ﴿هل هن ممسكات﴾ أي عني ﴿رحمته﴾ أي لأجل عصياني لهن نوع إمساك، لأطيعكم في الخوف منهن - هذه قراءة أبي عمرو بالتنوين وإعمال اسم الفاعل بنصب ما بعده، وهو الأصل في اسم الفاعل، والباقون بالإضافة، ولا فائدة غير التخفيف، وقد يتخيل منها أن الأوثان مختصة بهذا المعنى معروفة.