وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾
حذفت الياء من "كاف" لسكونها وسكون التنوين بعدها ؛ وكان الأصل ألا تحذف في الوقف لزوال التنوين، إلا أنها حذفت ليعلم أنها كذلك في الوصل.
ومن العرب من يثبتها في الوقف على الأصل فيقول : كافي.
وقراءة العامة ﴿ عَبْدَهُ ﴾ بالتوحيد يعني محمداً ﷺ يكفيه الله وعيد المشركين وكيدهم.
وقرأ حمزة والكسائي ﴿ عِبَادَهُ ﴾ وهم الأنبياء أو الأنبياء والمؤمنون بهم.
واختار أبو عبيد قراءة الجماعة لقوله عقيبه :﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ ﴾.
ويحتمل أن يكون العبد لفظ الجنس ؛ كقوله عز من قائل :﴿ إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ ﴾ [ العصر : ٢ ] وعلى هذا تكون القراءة الأولى راجعة إلى الثانية.
والكفاية شر الأصنام، فإنهم كانوا يخوّفون المؤمنين بالأصنام، حتى قال إبراهيم عليه السلام.
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بالله ﴾ [ الأنعام : ٨١ ].
وقال الجرجاني : إن الله كافٍ عبده المؤمن وعبده الكافر، هذا بالثواب وهذا بالعقاب.
قوله تعالى :﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ ﴾ وذلك أنهم خوفوا النبيّ ﷺ مَضَرَّة الأوثان، فقالوا : أتسب آلهتنا؟ لئن لم تكف عن ذكرها لتخبلنك أو تصيبنك بسوء.
وقال قتادة : مشى خالد بن الوليد إلى العُزَّى ليكسرها بالفأس، فقال له سادِنها : أُحَذِّرُكَها يا خالد فإن لها شدّة لا يقوم لها شيء، فعمد خالد إلى العُزَّى فهشم أنفها حتى كسرها بالفأس.
وتخويفهم لخالد تخويف للنبي ﷺ ؛ لأنه الذي وجه خالداً.
ويدخل في الآية تخويفهم النبيّ ﷺ بكثرة جمعهم وقوتهم ؛ كما قال :﴿ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ ﴾ [ القمر : ٤٤ ].
﴿ وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ تقدم.


الصفحة التالية
Icon