وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله ﴾
وإن شئت حذفت الياء ؛ لأن النداء موضع حذف.
النحاس : ومن أجلّ ما روي فيه ما رواه محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال : لما اجتمعنا على الهجرة، اتّعدتُ أنا وهشام بن العاصي بن وائل السَّهْمي، وعَيَّاش بن أبي ربيعة بن عُتْبة، فقلنا : الموعد أضاة بني غفار، وقلنا : من تأخر منا فقد حُبِس فليمض صاحبه، فأصبحت أنا وعياش بن عتبة وحُبس عنا هشام، وإذا به قد فُتن فافتتن، فكنا نقول بالمدينة : هؤلاء قد عرفوا الله عز وجل وآمنوا برسوله ﷺ، ثم افتتنوا لبلاءٍ لحقهم لا نرى لهم توبة، وكانوا هم أيضاً يقولون هذا في أنفسهم، فأنزل الله عز وجل في كتابه :﴿ قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [ الزمر : ٦٠ ] قال عمر : فكتبتها بيدي ثم بعثتها إلى هشام.
قال هشام : فلما قدمت عليّ خرجت بها إلى ذي طُوًى فقلت : اللهم فهمنيها فعرفت أنها نزلت فينا، فرجعت فجلست على بعيري فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان قوم من المشركين قَتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، فقالوا للنبيّ ﷺ أو بعثوا إليه : إن ما تدعو إليه لحسن أوَ تخبرنا أن لنا توبة؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية :﴿ قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ ﴾ ذكره البخاري بمعناه.
وقد مضى في آخر "الفرقان".
وعن ابن عباس أيضاً نزلت في أهل مكة قالوا : يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له، وكيف نهاجر ونُسْلم وقد عبدنا مع الله إلهاً آخر وقتلنا النفس التي حرم الله! فأنزل الله هذه الآية.