الآية على ما إذا قصد الإخبار عن الشيء، مع أنه يعلم أنه كاذب فيما يقول، ومثال هذا كفار قريش فإنهم كانوا يصفون تلك الأصنام بالإلهية مع أنهم كانوا يعلمون بالضرورة أنها جمادات، وكانوا يقولون إن الله تعالى حرم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، مع أنهم كانوا ينكرون القول بأن الله حرم كذا وأباح كذا، وكان قائله عالماً بأنه كذب وإذا كان كذلك فإلحاق مثل هذا الوعيد بهذا الجاهل الكذاب الضال المضل ( يكون ) مناسباً، أما من لم يقصد إلا الحق والصدق لكنه أخطأ يبعد إلحاق هذا الوعيد به.
البحث الثاني : الكلام في كيفية السواد الحاصل في وجوههم، والأقرب أنه سواد مخالف لسائر أنواع السواد، وهو سواد يدل على الجهل بالله والكذب على الله، وأقول إن الجهل ظلمة، والظلمة تتخيل كأنها يواد فسواد قلوبهم أوجب سواد وجوههم، وتحت هذا الكلام أسرار عميقة من مباحث أحوال القيامة، فلما ذكر الله هذا الوعيد أردفه بالوعد فقال :﴿وَيُنَجّى الله الذين اتقوا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ الآية، قال القاضي المراد به من اتقى كل الكبائر إذ لا يوصف بالاتقاء المطلق إلا من كان هذا حاله، فيقال له : أمرك عجيب جداً فإنك قلت لما تقدم قوله تعالى :﴿لَوْ أَنَّ الله هَدَانِى لَكُنتُ مِنَ المتقين﴾ [ الزمر : ٥٧ ] وجب أن يحمل قوله ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} على الذين قالوا ﴿لَوْ أَنَّ الله هَدَانِى﴾ فعلى هذا القانون لما تقدم قوله ﴿وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٧ صـ ٧ ـ ٩﴾


الصفحة التالية
Icon