وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يا حسرتى ﴾
﴿ أَنْ ﴾ في موضع نصب أي كراهة ﴿ أَنْ تَقُولَ ﴾ وعند الكوفيين لئلا تقول وعند البصريين حذر ﴿ أَنْ تَقُولَ ﴾.
وقيل : أي من قبل ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ ﴾ لأنه قال قبل هذا :﴿ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب ﴾.
الزمخشري : فإن قلت لم نكّرت؟ قلت : لأن المراد بها بعض الأنفس وهي نفس الكافر.
ويجوز أن يريد نفساً متميزة من الأنفس، إمّا بلجاج في الكفر شديد، أو بعقاب عظيم.
ويجوز أن يراد التكثير كما قال الأعشى :
ورُبَّ بَقيع لو هَتَفْتُ بِجَوِّهِ...
أتاني كَرِيمٌ يَنْفُضُ الرأْسَ مُغْضَبَا
وهو يريد أفواجاً من الكرام ينصرونه لا كريماً واحداً، ونظيره : رُبَّ بلدٍ قطعت، ورُبَّ بطلٍ قارعت، ولا يقصد إلا التكثير.
"يَا حَسْرَتَا" والأصل "يَا حَسْرَتِي" فأبدل من الياء ألف ؛ لأنها أخف وأمكن في الاستغاثة بمد الصوت، وربما ألحقوا بها الهاء ؛ أنشد الفراء :
يا مَرْحَباهُ بحمارٍ ناجِيَهْ...
إذا أَتَى قَرَّبْتُه للسَّانِيَهْ
وربما ألحقوا بها الياء بعد الألف ؛ لتدل على الإضافة.
وكذلك قرأها أبو جعفر :"يَا حَسْرَتَايَ" والحسرة الندامة.
﴿ على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله ﴾ قال الحسن : في طاعة الله.
وقال الضحاك : أي في ذكر الله عز وجل.
قال : يعني القرآن والعمل به.
وقال أبو عبيدة :"في جنب الله" أي في ثواب الله.
وقال الفراء : الجنب القرب والجوار ؛ يقال فلان يعيش في جنب فلان أي في جواره ؛ ومنه ﴿ والصاحب بالجنب ﴾ [ النساء : ٣٦ ] أي على ما فرطت في طلب جواره وقربه وهو الجنة.
وقال الزجاج : أي على ما فرطت في الطريق الذي هو طريق الله الذي دعاني إليه.
والعرب تسمي السبب والطريق إلى الشيء جنباً ؛ تقول : تجرعت في جنبك غصصاً ؛ أي لأجلك وسببك ولأجل مرضاتك.