وقيل :"في جَنْبِ اللَّهِ" أي في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله عز وجل وثوابه، والعرب تسمي الجانب جنباً، قال الشاعر :
قُسِمَ مَجْهُوداً لِذاكَ الْقَلْبُ...
النَّاسُ جَنْبٌ والأَمِيرُ جَنْبُ
يعني الناس من جانب والأمير من جانب.
وقال ابن عرفة : أي تركت من أمر الله ؛ يقال ما فعلت ذلك في جنب حاجتي ؛ قال كُثَيِّر :
أَلاَ تَتَّقِينَ اللَّهَ في جَنْبِ عاشِقٍ...
له كَبِدٌ حرَّى عليك تَقَطَّعُ
وكذا قال مجاهد ؛ أي ضيعت من أمر الله.
ويروى عن النبي ﷺ أنه قال :
" ما جلس رجل مجلساً ولا مشى ممشى ولا اضطجع مضطجعاً لم يذكر الله عز وجل فيه إلا كان عليه تِرَةً يوم القيامة " أي حسرة ؛ خرجه أبو داود بمعناه.
وقال إبراهيم التيمي : من الحسرات يوم القيامة أن يرى الرجل ماله الذي أتاه الله في الدنيا يوم القيامة في ميزان غيره، قد ورثه وعمل فيه بالحق، كان له أجره وعلى الآخر وزره، ومن الحسرات أن يرى الرجل عبده الذي خوّله الله إياه في الدنيا أقرب منزلة من الله عز وجل، أو يرى رجلاً يعرفه أعمى في الدنيا قد أبصر يوم القيامة وعمي هو.
﴿ وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين ﴾ أي وما كنت إلا من المستهزئين بالقرآن وبالرسول في الدنيا وبأولياء الله ( تعالى ) : قال قتادة : لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها.
ومحل "إِن كنت" النصب على الحال ؛ كأنه قال : فرطت وأنا ساخر ؛ أي فرطت في حال سخريتي.
وقيل وما كنت إلا في سخرية ولعب وباطل ؛ أي ما كان سعيي إلا في عبادة غير الله تعالى.
قوله تعالى :﴿ أَوْ تَقُولَ ﴾ هذه النفس ﴿ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي ﴾ أي أرشدني إلى دينه ﴿ لَكُنتُ مِنَ المتقين ﴾ أي الشرك والمعاصي.
وهذا القول لو أن الله هداني لاهتديت قول صدق.