أورد صاحب "الكشاف" سؤالاً، وهو أنه بم اتصل قوله ﴿والذين كَفَرُواْ﴾ ؟ وأجاب عنه بأنه اتصل بقوله تعالى :﴿وَيُنَجّى الله الذين اتقوا﴾ [ الزمر : ٦١ ] أي ينجي الله المتقين بمفازتهم ﴿والذين كَفَرُواْ بآيات الله أُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون﴾ واعترض ما بينهما أنه خالق للأشياء كلها، وأن له مقاليد السموات والأرض.
وأقول هذا عندي ضعيف من وجهين الأول : أن وقوع الفاصل الكبير بين المعطوف والمعطوف عليه بعيد الثاني : أن قوله ﴿وَيُنَجّى الله الذين اتقوا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ جملة فعلية، وقوله ﴿والذين كَفَرُواْ بآيات الله أُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون﴾ جملة اسمية، وعطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية لا يجوز، بل الأقرب عندي أن يقال إنه لما وصف الله تعالى نفسه بالصفات الإلهية والجلالية، وهو كونه خالقاً للأشياء كلها، وكونه مالكاً لمقاليد السموات والأرض بأسرها، قال بعده : والذين كفروا بهذه الآيات الظاهرة الباهرة أولئك هم الخاسرون.
ثم قال تعالى :﴿قُلْ أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ ابن عامر تأمرونني بنونين ساكنة الياء وكذلك هي في مصاحف الشام، قال الواحدي وهو الأصل، وقرأ ابن كثير تأمروني بنون مشددة على إسكان الأولى وإدغامها في الثانية، وقرأ نافع تأمروني بنون واحدة خفيفة، على حذف إحدى النونين والباقون بنون واحدة مكسورة مشددة.
المسألة الثانية :
﴿أَفَغَيْرَ الله﴾ منصوب بأعبد وتأمروني اعتراض، ومعناه : أفغير الله أعبد بأمركم ؟ وذلك حين قال له المشركون أسلم ببعض آلهتنا ونؤمن بإلهك، وأقول نظير هذه الآية، قوله تعالى :﴿قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السموات والأرض﴾ [ الأنعام : ١٤ ] وقد ذكرنا في تلك الآية وجه الحكمة في تقديم الفعل.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon