ولما كان المصاب ربما رجا الرحمة، فإذا وجد من يبكته كان تبكيته أشد عليه مما هو فيه قال :﴿وقال لهم خزنتها﴾ إنكاراً عليهم وتقريعاً وتوبيخاً :﴿ألم يأتكم رسل﴾ ولما كان قيام الحجة بالمجانس أقوى قال واصفاً لرسل :﴿منكم﴾ أي لتسهل عليكم مراجعتهم.
ولما كانت المتابعة بالتذكير أوقع في النفس قال آتياً بصفة أخرى معبراً بالتلاوة التي هي أنسب لما يدور عليه مقصد السورة من العبادة لما للنفوس من النقائص الفقيرة إلى متابعة التذكير :﴿يتلون﴾ أي يوالون ﴿عليكم آيات﴾ ولما كان أمر المحسن أخف على النفس فيكون أدعى إلى القبول قالوا :﴿ربكم﴾ أي بالبشارة إن تابعتم.
ولما كان الإنذار أبلغ في الزجر قالوا :﴿وينذرونكم لقاء يومكم﴾ ولما كانت الإشارة أعلى في التشخيص قالوا :﴿هذا﴾ إشارة إلى يوم البعث كله، أي من الملك الجبار إن نازعتم، فالآية من الاحتباك : ذكر الرب أولاً دلالة على حذف الجبروت ثانياً والإنذار ثانياً دليلاً على البشارة أولاً ﴿قالوا بلى﴾ أي قد أتونا وتلوا علينا وحذرونا.
ولما كان عدم إقبالهم على الخلاص مما وقعوا فيه مع كونه يسيراً من أعجب العجب، بينوا موجبه بقولهم :﴿ولكن حقت﴾ أي وجبت وجوباً يطابقه الواقع، لا يقدر معه على الانفكاك عنه ﴿كلمة العذاب﴾ أي التي سبقت في الأزل علينا - هكذا كان الأصل، ولكنهم قالوا :﴿على الكافرين﴾ تخصيصاً بأهل هذا الوصف وبياناً لأنه موجب دخولهم وهو تغطيتهم للأنوار التي أتتهم بها الرسل.
ولما فرغوا من إهانتهم بتبكيتهم، أنكوهم بالأمر بالدخول، وعبر بالمبني للمفعول إشارة ألى أنهم وصلوا إلى أقصى ما يكون من الذل بحيث إنهم يمتثلون قول كل قائل جل أو قل، فقيل في جواب من كأنه قال : ماذا وقع بعد هذا التقريع؟ :﴿قيل﴾ أي لهم جواباً لكلامهم :﴿ادخلوا أبواب جهنم﴾ أي طبقاتها المتجهمة لداخليها.