وقال ابن عاشور :
﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ﴾
هذا تنفيذ القضاء الذي جاء في قوله :﴿ وقُضي بينهم بالحق ﴾ [ الزمر : ٦٩ ] وقوله :﴿ وَوُفيت كل نفسسٍ ما عملت ﴾ [ الزمر : ٧٠ ]، فإن عاقبة ذلك ونتيجته إيداع المجرمين في العقاب وإيداع الصالحين في دار الثواب.
وابتدىء في الخَبر بذكر مستحقي العقاب لأنه الأهم في هذا المقام إذ هو مقام إعادة الموعظة والترهيب للذين لم يتعظوا بما تكرر في القرآن من العظات مثل هذه فأما أهل الثواب فقد حصل المقصود منهم فما يذكر عنهم فإنما هو تكريرُ بشارة وثناء.
والسَّوق : أن يجعل الماشي ماشياً آخر يسير أمامه ويلازمه، وضدّه القَود، والسوْق مشعر بالإِزعاج والإِهانة، قال تعالى :﴿ كأنما يساقون إلى الموت ﴾ [ الأنفال : ٦ ].
والزُّمَر : جَمع زُمْرة، وهي الفوج من الناس المتبوعُ بفوج آخر، فلا يقال : مرت زمرة من الناس، إلاّ إذا كانت متبوعة بأخرى، وهذا من الألفاظ التي مدلولها شيء مقيّد.
وإنما جُعلوا زمراً لاختلاف دَرَجات كفرهم، فإن كان المراد بالذين كفروا مشركي قريش المقصودين بهذا الوعيد كان اختلافهم على حسب شدة تصلبهم في الكفر وما يخالطه من حَدَب على المسلمين أو فظاظة، ومن محايدة للنبيء ﷺ أو أَذىً، وإن كان المراد بهم جميع أهل الشرك كما تقتضيه حكاية الموقف مع قوله :﴿ ألم يأتكم رُسُل ﴾ كان تعدد زمرهم على حسب أنواع إشراكهم.
و﴿ حتى ﴾ ابتدائية و ﴿ إذا ﴾ ظرف لزمَان المستقبل يضمّن معنى الشرط غالباً، أي سيقوا سوقاً ملازماً لهم بشدته متصل بزمن مجيئهم إلى النار.
وجملة ﴿ فتحت ﴾ جواب ﴿ إذا ﴾ لأنها ضمنت معنى الشرط وأغنى ذكر ﴿ إذا ﴾ عن الإِتيان بـ ( لمّا ) التوقيتية، والتقدير : فلما جاءوها فتحت أبوابها، أي وكانت مغلقة لتفتح في وجوههم حين مجيئهم فجأة تهويلاً ورعباً.
وقرأ الجمهور { فُتِّحَتْ بتشديد التاء للمبالغة في الفتح.


الصفحة التالية
Icon