فصل
قال الفخر :
واعلم أنه تعالى لما قدر كمال عظمته بما سبق ذكره أردفه بذكر طريقة أخرى تدل أيضاً على كمال قدرته وعظمته، وذلك شرح مقدمات يوم القيامة لأن نفخ الصور يكون قبل ذلك اليوم، فقال :﴿وَنُفِخَ فِى الصور فَصَعِقَ مَن فِى السموات وَمَن فِى الأرض إِلاَّ مَن شَاء الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ واختلفوا في الصعقة، منهم من قال إنها غير الموت بدليل قوله تعالى في موسى عليه السلام ﴿وَخَرَّ موسى صَعِقًا﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] مع أنه لم يمت، فهذا هو النفخ الذي يورث الفزع الشديد، وعلى هذا التقدير فالمراد من نفخ الصعقة ومن نفخ الفزع واحد، وهو المذكور في سورة النمل في قوله ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى الصور فَفَزِعَ مَن فِى السموات وَمَن فِى الأرض﴾ [ النمل : ٨٧ ] وعلى هذا القول فنفخ الصور ليس إلا مرتين.
والقول الثاني : أن الصعقة عبارة عن الموت والقائلون بهذا القول قالوا إنهم يموتون من الفزع وشدة الصوت، وعلى هذا التقدير فالنفخة تحصل ثلاث مرات أولها : نفخة الفزع وهي المذكورة في سورة النمل والثانية : نفخة الصعق والثالثة : نفخة القيام وهما مذكورتان في هذه السورة.
وأما قوله ﴿إِلاَّ مَن شَاء الله﴾ ففيه وجوه الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : عند نفخة الصعق يموت من في السموات ومن في الأرض إلا جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ثم يميت الله ميكائيل وإسرافيل ويبقي جبريل وملك الموت ثم يميت جبريل.
والقول الثاني : أنهم هم الشهداء لقوله تعالى :﴿بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [ آل عمران : ١٦٩ ] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال :" هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش ".
القول الثالث : قال جابر هذا المستثنى هو موسى عليه السلام لأنه صعق مرة فلا يصعق ثانياً.
القول الرابع : أنهم الحور العين وسكان العرش والكرسي.