واعلم أن الجواب عن هذه الشبهة من وجوه الأول : أنا بينا في تفسير قوله تعالى :﴿الله نُورُ السموات والأرض﴾ أنه لا يجوز أن يكون الله سبحانه وتعالى نوراً بمعنى كونه من جنس هذه الأنوار المشاهدة، وبينا أنه لما تعذر حمل الكلام على الحقيقة وجب حمل لفظ النور ههنا على العدل، فنحتاج ههنا إلى بيان أن لفظ النور قد يستعمل في هذا المعنى، ثم إلى بيان أن المراد من لفظ النور ههنا ليس إلا هذا المعنى، أما بيان الاستعمال فهو أن الناس يقولون للملك العادل أشرقت الآفاق بعدلك، وأضاءت الدنيا بقسطك، كما يقولون أظلمت البلاد بجورك، وقال ﷺ :" الظلم ظلمات يوم القيامة " وأما بيان أن المراد من النور ههنا العدل فقط أنه قال :﴿وَجِىء بالنبيين والشهداء﴾ ومعلوم أن المجيء بالشهداء ليس إلا لإظهار العدل، وأيضاً قال في آخر الآية بإثبات العدل وختمها بنفي الظلم والوجه الثاني : في الجواب عن الشبهة المذكورة أن قوله تعالى :﴿وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبّهَا﴾ يدل على أنه يحصل هناك نور مضاف إلى الله تعالى، ولا يلزم كون ذلك صفة ذات الله تعالى، لأنه يكفي في صدق الإضافة أدنى سبب، فلما كان ذلك النور من خلق الله وشرفه بأن أضافه إلى نفسه كان ذلك النور نور الله، كقوله : بيت الله، وناقة الله وهذا الجواب أقوى من الأول، لأن في هذا الجواب لا يحتاج إلى ترك الحقيقة والذهاب إلى المجاز.
والوجه الثالث : أنه قد قال فلان رب هذه الأرض ورب هذه الدار ورب هذه الجارية، ولا يبعد أن يكون رب هذه الأرض ملكاً من الملوك، وعلى هذا التقدير فلا يمتنع كونه نوراً.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon