أما معناها فأحسن الأقوال فيها قول من قال اللّه أعلم بمراده بذلك كما هو الحال فيما تقدم من الأقوال في الر والم والمص وطسم وطس وق ونون وص، وشبهها لأنها رموز بين اللّه تعالى ورسوله لا يعرفها على الحقيقة غيرهما، راجع ما ذكرناه أوائل السور المذكورة تجد ما تريده، إذ لم نترك قولا قيل فيها وزدنا فيها ما لم يقله أحد وهو أنها رموز بين اللّه ورسوله، ومنها اتخذ الملوك والأمراء الشفرة التي لا يعرفها غيرهما، لأن جميع ما في الدنيا أخذ من كتب اللّه السماوية، سواء ما يتعلق بالملوك والحكام والأحكام والآداب والأخلاق والتنعيم والتعذيب والحراسة والمراسيم وغيرها.
"تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ" الغالب المنيع، والكلام فيها كالكلام في مبدأ سورة الزمر المارة لفظا ومعنى وإعرابا، إلا أنه هنا يجوز
جعل تنزيل فما بعده خبرا لحميم، وهناك ختم الآية بلفظ الحكيم، وهنا بلفظ "الْعَلِيمِ ٢" بكل ما كان وسيكون في الدنيا والآخرة وهو من تفتن النظم ولا شك أن البليغ علمه بالأشياء وكنهها يكون حكيما بتصرفاتها ووصفها ووضعها في محالها "غافِرِ الذَّنْبِ" مهما كان لمن يشاء عدا الشرك "وَقابِلِ التَّوْبِ" من أي كان مهما كان فاعلا، وساتر لما كان قبل التوبة من الذنوب "شَدِيدِ الْعِقابِ" لمن يبقى مصرا على كفره وعناده لاستكباره عن الرجوع إلى ربه "ذِي الطَّوْلِ" السعة والغنى والأنعام الدائم "لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ٣" والمرجع في الآخرة.
قد اشتملت هذه الآية العظيمة على ست صفات من صفات اللّه تعالى ملزمة للإقرار بربوبيته واستحقاقه للعبادة إذ جمعت بين الوعد والوعيد والترغيب والترهيب وهي وحدها كافية للإيمان به تعالى وبما جاء عنه من كتاب ورسول لمن كان له قلب واع وآذان صاغية.
مطلب الجدال المطلوب والممنوع وبحث في العرش والملائكة ومحاورة أهل النار :


الصفحة التالية
Icon