هنا، والأولى أن يكون بمعنى الوحي لمناسبته لما بعده، واللّه أعلم.
وقد أسهبنا البحث في الآية ٨٦ من سورة
الإسراء فراجعها في ج ١ "لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ١٥" هو يوم القيامة إذ يتلاقى فيه الأولون والآخرون وأهل الأرض والسماء والأنبياء وأممهم والعابدون والمعبودون والظالمون والمظلومون والمتحابّون في اللّه، فتراهم "يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ" ظاهرون للعيان لا يخفى أحد عن أحد، لأن اللّه يعطي الخلق قوة الإبصار بحيث يرى بعضهم بعضا جميعا، لا تحول رؤية أحد عن أحد، ثم يتجلى عليهم بحيث "لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْ ءٌ" من أشخاصهم، ولا من أحوالهم وأفعالهم، كيف وهو المطلع عليهم في حين كونهم في الرحم إلى وقت وقوفهم بين يديه في الآخرة إلى ما بعد ذلك، لا يعزب عن علمه ذرة مما عملوه في الدنيا وما يصيبهم مثلها في الآخرة وإنما خصّ يوم بروزهم وهو عالم قبل ذلك وبعده، ولو اختفوا في أطباق الأرض أو في أقطار السماء، لأنهم كانوا في الدنيا يتوهمون أنه لا يراهم إذا استتروا بالحجب وأنه قد تخفى عليه بعض أحوالهم، أما اليوم فقد زال توهمهم وانمحق ظنهم، لأنهم مكشوفون على وجه البسيطة التي لا عوج فيها ولا ارتفاع، ثم يقول اللّه تعالى لجميع خلقه "لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ" فتخضع الخلائق إجلالا لهيبته وإعظاما لجلاله وخاصة ملوك الدنيا فإنهم ينحنون لعظمته ويطأطئون رءوسهم لجلاله حياء وخجلا لا يتكلم أحد منهم، فيجيب الربّ نفسه بنفسه "لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ" ١٦ الذي قهر عباده بالموت وبعثهم قسرا للحساب والجزاء الذي لا رب غيره.
وقيل إن أهل الموقف كلهم بلسان واحد يقولون للّه الواحد القهار، فالمؤمنون على طريق التلذذ والتذكر والكافرون على جهة الذل والصغار.


الصفحة التالية
Icon