وما قيل إن هذا النداء يكون بعد النفخة الأولى وفناء العالم ينافيه ظاهر الآية، لأن التلاقي لا يكون إلا بعد النفخة الثانية، والبروز يكون في المحشر، والنداء يكون لحاضر يسمع لا لميت، فبطل هذا القيل من ثلاث وجوه، ويؤكد بطلانه الدليل الرابع وهو قوله عز قوله "الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ" في دنياها "لا ظُلْمَ الْيَوْمَ" على أحد منكم، ولا يكون هذا إلا يوم الحساب إذ يحاسب فيه كل على ما عمل إن خيرا يكافى خيرا منه وإن شرا يجازى شرا بمثله، الحقير والخطير والقوي والضعيف والغني والفقير سواء، فليأمن الكل من الظلم لأن
الحاكم هو ملك الملوك وقاضي
القضاة الذي لا يبالي بأحد ولا يراعي أحدا "إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ١٧" يحاسب الخلق كلهم بآن واحد محاسبة شخص واحد، لا يشغله حساب أحد عن غيره ولا يلهينه جزاء واحد عن الآخر، كما لا يشغله شأن عن شأن.
انتهى خطاب اللّه لخلقه الذي سيخاطبهم به في الآخرة، وقد أعلمهم به الآن ليكونوا على بصيرة من أمرهم فيتفوه ويحذروه ويخافوه.
ثم التفت إلى حبيبه محمد صلّى اللّه عليه وسلم فقال "وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ" القيامة سميت آزفة لقرب وقتها، لأنها لا شك آتية وكل آت قريب، ولا يبعد على اللّه شيء قال الشاعر :
أزف الرحيل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد


الصفحة التالية
Icon