قال تعالى فيما يقصه على نبيه "وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ" ٢٣" "إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ ٢٤" كرر اللّه تعالى هذه القصة لنبيّه بأوسع مما ذكرها قبل في سورة القصص في ج ١ وما بعدها وغيرها تسلية له لئلا يحزن على عدم إيمان قومه ولا يضجر مما وصموه به فإن قوم موسى جابهوه بأكثر مما وصمت قريش محمدا صلى اللّه عليه وسلم ولتكون له أسوة به فلا يجزع، وليقف على ما فعلوه به عدا ذلك "فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا" لم يكتفوا بتكذيبه وإنكار معجزاته ورميه بالكذب والسحر بل "قالُوا" لقومهم "اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ" حتى لا يتابعه أحد، ويتركوا دينه كما فعلوا بقومه ذلك قبل ولادته ورسالته، فأبطل اللّه كيدهم وقال "وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ٢٥" لأن الطريقة التي اتبعوها أولا كانت بقصد موسى، وقد حفظه اللّه منهم حتى ربّاه في داره، فعودهم إليها الآن بقصد التخلي عنه وعدم إيمان أحد به، ورجوع قومه إلى دينهم لا يغني عنهم من تنفيذ قضاء اللّه بإبقائهم مؤمنين واستخلاصهم من قبضة فرعون وقومه، كما لم تغن أعمالهم الأولى من قتل موسى، إذ حفظه اللّه ونجاه من كيدهم.
مطلب قصة موسى مع فرعون واستشارة فرعون قومه بقتله ومدافعة مؤمن آل فرعون عنه :
ثم ذكر اللّه تعالى ما كان يضمره فرعون لموسى عليه السلام وهو "قالَ فِرْعَوْنُ"
لوزرائه وخاصته وحاشيته "ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ" ليمنعه مني وذلك أنه كان مصممّا على قتله وكلما أراد تنفيذ ما صمم عليه يكفونه عنه خوف سوء السمعة لئلا يقول الناس إنه عجز عن معارضته بالحجة فقتله.