أي لا أزال أترك ما لم أرضه من الأمكنة إلا أن أموت، والأولى حملها على ظاهرها، لأن هذه الشواهد ليست بقوية لإمكان حمل بعض منها على ظاهرها، هذا، وقد أراد بخطابه فرعون ووزراءه وحاشيته الذين استشارهم بقتل موسى، وقد سلك رضي اللّه عنه في كلامه هذا غاية في المداراة ونهاية في الإنصاف بتوفيق اللّه له وهدايته للإيمان "إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ٢٨" وهذه الجملة أيضا فيها مجاملة ومجاهلة، لأن ظاهرها الذي يريد أن يفهمه لهم هو إن
كان موسى متجاوزا الحد في دعواه، فإن اللّه يخذله فتخلصون منه دون أن تقتلوه، وباطنه وهو الذي يريده أن فرعون باغ متجاوز الحد كثير الكذب وأن اللّه لا بد أن يخذله ونتخلص منه، فلا توافقوه على قتل موسى.
ثم قال رضي اللّه عنه مذكرا لهم ما هم عليه من النعم ومهددا لهم بزوالها إن لم يطيعوه "يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ" على غيركم "فِي الْأَرْضِ" وقاهرين أهلها وغالبين على من فيها "فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ" عذابه بسبب إقدامنا على قتله "إِنْ جاءَنا" ولا راد له حينئذ، أي لا تتعرضوا له فتكونوا عرضة إلى عذاب اللّه الذي لا يمنعنا منه أحد إذا نزل بنا.


الصفحة التالية
Icon