بسوء العاقبة لأنه لا يقابل بباطل فجنحوا عنه وأطرقوا والتزموا السكوت، فقوي جنان المؤمن وطفق يونجهم على ما وقع من آبائهم الأولين من تكذيب الرسل، فقال "وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ" بن يعقوب ابن إبراهيم "مِنْ قَبْلُ" مجيء موسى بن عمران هذا المتصل نسبه به "بِالْبَيِّناتِ" الواضحات كتعبير الرؤيا والإخبار بالغيب، وحفظ أهل مصر من الهلاك بالقحط بما
ألهمه اللّه من التدبير، وقد مكث عليه السلام أربعا وعشرين سنة يدعوهم إلى اللّه تعالى وتوحيده وأن يتركوا أوثانهم بما قد حكى اللّه عنه في الآية ٣٧ من سورته المارة، لأنهم كانوا عبدة أوثان وقوم فرعون كذلك، لأنهم على أثرهم وزادوا عليهم عبادة فرعون لقوله (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ) كما سيأتي في الآية ٢٥ من النازعات الآتية أي على هذه الأصنام التي هي أربابا، لأنه كان يأمرهم بنحت الأصنام وتصويرها وعبادتها، وأنه يرى نفسه فوقها، لذلك ادعى تلك الدعوى الفاغمة التي لم يدعها أحد قبله إلا أخوه نمروذ الذي أنكر وجود الإله العظيم وأظهر لهم أن لا إله إلا هذه الأصنام، وأنه ربها وربهم، وزاده هذا الخبيث بما وصف به نفسه من العلو قال تعالى فيما يحكيه عن تذكير ذلك المؤمن الصادق الحازم موبخا لهم صنيعهم الأول بقوله "فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ" من الدعوة لتوحيد اللّه وترك الأوثان، لأنكم لا تزالون تعبدونها وظننتم أن يوسف ملك لا نبي ولم تنتفعوا بهديه "حَتَّى إِذا هَلَكَ" يوسف عليه السلام "قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا" فأقمتم على كفركم ولم تصدقوه، وهكذا جاءكم موسى نبيا مثله فكذبتموه أيضا وأصررتم على ضلالكم "كَذلِكَ" مثل ضلالكم الأول الواقع من أسلافكم والضلال الثاني الحادث منكم "يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ" في العصيان "مُرْتابٌ ٣٤" شاك في أمر النبوة.


الصفحة التالية
Icon