واعلموا يا قومي ان المتجاوزين الحد في الطغيان الشاكين في الدين القويم هم "الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ" بغية تكذيبها و
رغبة في إبطالها "بِغَيْرِ سُلْطانٍ" لديهم وحجة يحتجون بها وبرهان يدافعون به ودليل "أَتاهُمْ" من اللّه العظيم فهؤلاء "كَبُرَ" جدالهم هذا وعظم "مَقْتاً" بغضا شديدا "عِنْدَ اللَّهِ" رب الأرباب على الحقيقة "وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا به" يكبر ويعظم أيضا، لأن المؤمن من يتخلق بأخلاق اللّه "كَذلِكَ" مثل ما طبع اللّه على قلوب المكذبين قبلا، فجعلها لا تعي الحق ولا تهتدي لسلوكه "يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ" بالكسر وينوّن "مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ٣٥" منكم وممن يعمل عملكم ويقتفي أثركم، وإنما خص القلب لأنه عمود البدن فإذا قوي قوي سائره وإذا ضعف ضعف باقيه، وإذا فسد فسد الجسد كله وإذا صلح بنور
الحكمة وفقت الأعضاء لكل حسن من قول أو فعل.
ولهذا خص القلب بهاتين الخصلتين ووصفه بهما، لأنه منبع الكبر والجبروت، كما أنه معدن الخصال الحسنة، فهو الكل بالكل فلم يرد فرعون ولا قومه على هذه الآيات البينات التي جمع فيها هذا المؤمن الغيور فأوعى، لأنها حجج داحضة قاطعة وبراهين لامعة ساطعة قامعة ودلائل باهرة وامارات واضحة بالغة لا جواب لها إلا القبول ممن أراد اللّه له القبول والسكوت ممن أراد اللّه له الهلاك، وإن فرعون خاصة يعلم أن ما جاء به هذا المؤمن الذي لم تأخذه في الحق لومة لائم، ولم يخش فيه إلا اللّه حقا لا مرية فيه، فلما غشيهم السكوت التفت فرعون إلى رأس وزرائه وخاطبه بقوله كما قصّ اللّه عنه :
مطلب بناء الصرح وسببه والقول السائد ما اتخذ اللّه وليا جاهلا ولو اتخذه لعلمه :


الصفحة التالية
Icon