"وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ٤١" في هذه الآية طلب منهم أن يوازنوا بين ما يدعونه إليه من اتخاذ الأوثان الموصلة إلى النار أندادا للّه - تعالى عن ذلك - وبين دعوته لهم إلى دين اللّه الموصل إلى الجنة ليتفكروا في هاتين الدعوتين ويميزوا بينهما ويعرفوا ثمرة كل منهما، ولهذا قال لهم "تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ" أنه إله وإني لا أعلم إلها غير الإله الواحد الحق "وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ٤٢" لمن أناب إليه، ذكر لهم صنفين عظيمين من صفات اللّه تعالى الذي يدعوهم لعبادته بأنه منيع غالب قوي الجانب لا يقابل ولا يغالب، فمن التجأ إليه أوى إلى ركن شديد لا يقدر أحد أن يتسلط عليه، وأنه كثير المغفرة لمن يرجع إليه فلا يهولن من يأوي إليه كثرة ذنوبه وعظيم خطأه فإنه يسترها له مهما كانت، وهو واسع المغفرة، وهذا مما قذفه اللّه في قلب هذا المؤمن الكامل من نور الإيمان والمعرفة، فجعله ينطق بالحكمة توا، إذ أبدل جهله علما وكفره إيمانا وجبنه شجاعة، ومن هنا قيل : ما اتخذ اللّه من ولي جاهلا ولو اتخذه لعلمه "لا جَرَمَ" حقا "أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ" من البقاء على دينكم وعبادة الصنم الذي "لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ" مقبولة "فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ" لأنه لا ينطق حتى يدعو الناس لعبادته ومن لا يقدر على النطق لا يجيبه أحد، وإن من حق المعبود أن يدعو العباد لعبادته، فإذا لم تكن له دعوة مجابة في الدنيا فمن باب أولى أن لا تكون له في الآخرة، ولهذا عطفها عليها، لأنها فضلا عن أنها لا تجيب عابديها فيها فإنها تتبرأ منهم وتنكر عبادتهم حينما يؤهلها اللّه للنطق لهذه الغاية "وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ" جميعا نحن وأنتم "وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ" المتجاوزون حدود اللّه في