ومما يشهد لهذا ما أخرجه ابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهما عن أبي هريرة أنه كان له صرختان في كل يوم غدوة وعشية كان يقول أول النهار ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار، ويقول أول الليل ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون على النار، فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ باللّه تعالى القائل عز قوله "وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً" في
الدنيا "فَهَلْ أَنْتُمْ" الآن "مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً" حصة وجزءا "مِنَ النَّارِ ٤٧" بأن تدفعوا عنا ألمها ولو ساعة لقاء ما كنا نخدمكم في الدنيا وننقاد لأمركم بمخالفة الرسل "قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا" لأتباعهم المستضعفين "إِنَّا كُلٌّ فِيها" فلا نستطيع أن ندفع عن أنفسنا فكيف يمكننا أن نتحمل عنكم قسما من عذابها فاسكتوا "إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ ٤٨" ولا راد لحكمه ولا دافع لقضاءه "وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ" لما اشتد عليهم البلاء فيها هلم "ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ ٤٩" لنستريح فيها من ألمها المبرح "قالُوا" لهم "أَ وَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ" وينذرونكم أيها الكفرة لقاء يومكم هذا ويحذرونكم وباله ؟ "قالُوا بَلى " جاءونا ونصحونا وخوفوها هول هذا اليوم وعذابه ولكنا كذبناهم "قالُوا" لهم "فَادْعُوا" أنتم لأنفسكم لا ندعو لكم نحن لأنكم لا عذر لكم بعد أن بلغكم الرسل ذلك، ولم تصغوا لإرشادهم.
قال تعالى قاطعا لأطماعهم "وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ٥٠" لا يسمع ولا يجاب لأنه عبث باطل دعوا أو لم يدعوا،