ثم إنه تعالى بيّن أن الكفار إذا خاطبوا بهذا الخطاب ﴿قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين﴾ إلى آخر الآية، والمعنى أنهم لما عرفوا أن الذي كانوا عليه في الدنيا كان فاسداً باطلاً تمنوا الرجوع إلى الدنيا لكي يشتغلوا عند الرجوع إليها بالأعمال الصالحة، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
احتج أكثر العلماء بهذه الآية في إثبات عذاب القبر، وتقرير الدليل أنهم أثبتوا لأنفسهم موتتين حيث قالوا ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين﴾ فأحد الموتتين مشاهد في الدنيا فلا بد من إثبات حياة أخرى في القبر حتى يصير الموت الذي يحصل عقيبها موتاً ثانياً، وذلك يدل على حصول حياة في القبر، فإن قيل قال كثير من المفسرين الموتة الأولى إشارة إلى الحالة الحاصلة عند كون الإنسان نطفة وعلقة والموتة الثانية إشارة إلى ما حصل في الدنيا، فلم لا يجوز أن يكون الأمر كذلك، والذي يدل على أن الأمر ما ذكرناه قوله تعالى :
﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ [ البقرة : ٢٨ ] والمراد من قوله ﴿وَكُنتُمْ أمواتا﴾ الحالة الحاصلة عند كونه نطفة وعلقة وتحقيق الكلام أن الإماتة تستعمل بمعنيين أحدهما : إيجاد الشيء ميتاً والثاني : تصيير الشيء ميتاً بعد أن كان حياً كقولك وسع الخياط ثوبي، يحتمل أنه خاطه واسعاً ويحتمل أنه صيره واسعاً بعد أن كان ضيقاً، فلم لا يجوز في هذه الآية أن يكون المراد بالإماتة خلقها ميتة، ولا يكون المراد تصييرها ميتة بعد أن كانت حية.
السؤال الثاني : أن هذا كلام الكفار فلا يكون حجة.